(وقت القراءة: 1 دقيقة)

alnuwair (نُشرت في جريدة الراي، عدد الثلاثاء 28 مارس 2023، صفحة 19.)

هذا ربيع النُّوّير بلا منازع. ترى هذه الزهور الصفراء تمتد في المساحات التي كانت يوما ما فضاء خاليا من الحياة والبهجة. النُّوّير ليست مجرد أزهار، بل رمز لشتاء كان مدرارا، وربيع يبشّر بالجمال، في أرض يعز فيها المطر، وتصير الزهور شيئا يستحق الاحتفال.

في الصيف الماضي في بريطانيا، لاحظت انتشار زهرة تشبه النُّوّير كثيرا وكأنها هي، على الأقل لعيني غير الخبيرة في شؤون النباتات. كانت مثل النُّوّير، بريّة وعشوائية ... وجميلة. وفي يوم رأيت البستاني الذي يتعاهد الحديقة، فحاورته عن موجة الحر، وتأثر النباتات بها، وذكرتُ له هذه الزهرة المناضلة التي أنتبه لوجودها لأول مرة. وقلت له أنها تشبه أو لعلها تماثل زهرة ربيعية جميلة لدينا في الكويت. فضحك وقال لي: "هذه عشبة ضارّة!" صُعقت لقوله، كيف يمكن لزهرة جميلة كهذه أن تكون عشبة ضارة؟ عاجلني قائلا: "آسف، لكني مضطر لإزالتها وإلا ستنتشر وتمنع العشب من النمو." وأخذ يقتلعها من جذورها بمنتهى البرود.

جعلت أفكر في أمر هذه الزهور البهيجة. كيف يمكن لشيء جميل كهذا، أن يكون مجرد عشبة استعمارية ضارة، تغزو الحدائق، وتحتل مواطن العشب، وتمنع الحياة عن بقية النباتات؟ قد لا تكون الزهرة التي رأيتها هناك هي زهرة النُّوّير المعروفة لدينا، لكنها تشبهها كثيرا. عجبا للضرر، كيف يتخفى أحيانا في ثياب الجمال. قد نؤخذ بشيء ونحبه، وفيه الضرر، كل الضرر. ومن هذا قول الأديب الرافعي: "ليس كل ما يعجبك يرضيك، ولكن كل ما يرضيك يعجبك".

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

alrain 9aug2020 p18

(اضغط هنا للاستماع للمقالة صوتيا على SoundCloud)

لا زحامَ خانقا، ولا طوابيرَ من المعجبين شبه المُسَرنَمين المتقاطرين من أجل توقيع أو صورة مع المؤلف. لا معرض للكتاب هذا العام. ولعلها فرصة ميمونة لإعادة النظر في خياراتنا القرائية.

حينما كنت صغيرة، في الثمانينيات والتسعينيات، سمعت بمصطلح "أفلام المقاولات"، وهي أفلام ذات قيمة متدنية، هدفها الربح من بيعها على أشرطة الفيديو التي كانت رائجة آنذاك. من الفترة ذاتها أتذكر أيضا مصطلح "الأغنية الهابطة". ورغم أنني لم أفهم معنى المصطلحين حينها، إلا أنني أتذكرهما جيدا. الغريب أنني أعجز عن تذكر أي أغنية وُصمت بأنها هابطة، أو فِلم صُنف أنه فِلم مقاولات. ولا تفسير لهذا إلا بأحد أمرين: إمّا أنّ ذاكرتي سيئة جدا، وإمّا أن هذه الأفلام والأغاني نُسيت فعلا! والحق أنّي أشتكي من ذاكرتي أحيانا، لكنّ كوني أتذكر مصطلحات معقّدة على دماغ طفلة مثل "الأغنية الهابطة" و"أفلام المقاولات" يعني أن ذاكرتي لا بأس بها، ومسألة عدم تذكري لعناوين الأفلام والأغاني يعني ببساطة أنها أخفقت في أن تحجز لنفسها مكانا في ذاكرتي.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

ghair salih lilibdaa3 july2019

غير صالح للإبداع

حياة الياقوت

سيتفتّت كبدك حين تعرف الامتيازات التي يحظى بها المبدعون في بعض دول العالم. أعرف كاتبة دانماركية حصلت من دولتها على منحة للتفرغ مدى الحياة للكتابة الإبداعية. لا يهم، هؤلاء قوم، ونحن قوم.
من الأمور الطيبة في الكويت إجازة التفرغ للإنتاج الفني والأدبي، والتي تمنح للموظف لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد لينجز فيها عملا أدبيا أو فنيا. يُشترط طبعا أن يكون الشخص ممن له "إنتاج معروف ومتميز في مجال العمل المطلوب التفرغ من أجله"، وأن يحصل مشروع العمل على موافقة اللجنة المختصة في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. وتبين أن ثمّة شرط آخر عجيبٌ عُجاب، أخبركم عنه بعد قليل!
كنت أروم هذه الإجازة منذ زمن، وأقدّم رِجلا وأؤخّر الأخرى في انتظار أن يكون لي "إنتاج معروف". وبعد أن رسختُ في الكتابة، وبلغت من الإبداع عتيا، وصار مجموع ما نشرته 13 كتابا ورقيا في الرواية والقصة وأدب الطفل واللغة، هذا بخلاف بعض المنشورات الإلكترونية، وأفواج من المقالات هنا وهناك، تشجّعت وتقدّمت أطلب هذه الإجازة.
جاء الرد بالموافقة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مشكورا، وخاطب جهة عملي جامعة الكويت حيث أعمل مدرّسا مساعدا. بحثتْ الجامعة في أحقيتي لهذه الإجازة، ورجعت لقانون الخدمة المدنية، فوجدت شرطا يقول: "ألّا يكون الموظف من العاملين في سلك التدريس"! إي والله، هكذا تقول المادة، وكأن الإبداع لا يسطيع أن يسلك في عقول "العاملين في سلك التدريس"!
تفكّرت، ما الغاية من هذا البند؟ أهي صون العملية التعليمية من الانقطاع مثلا؟ فخروج المدرس أثناء الفصل الدراسي سيسبب ارتباكا ولا شك. لكن لا يعقل أن يكون هذا سببا لمنع المدرس من الحصول على الإجازة من حيث المبدأ، إذ كان يمكن أن تقول المادة مثلا: في حال كان الموظف مدرّسا، تُمنح الإجازة له من بداية الفصل الدراسي التالي ولمدة فصل دراسي واحد، وتُجدد لفصل دراسي آخر في حال الحاجة لذلك.
لكن مهلا، بالبحث في قوانين ديوان الخدمة، اكتشفت أن هناك أنواعا أخرى من إجازات التفرغ كإجازة التفرغ الرياضي، وإجازة التفرغ العلمي، وإجازة التفرغ لتقديم عروض فنية، ولا تشترط أي منها ألّا يكون الموظف مدرّسا. فلماذا يُحرم المدرس من إجازة التفرغ للإنتاج الفني والأدبي تحديدا؟! أخذت أقلّب الأمر في رأسي ذات اليمين وذات الشمال، أحاول أن استكنه ما كان يدور في خَلَد الذين وضعوا هذا القانون الصادر عام 1980. فهؤلاء قوم من جيل ألمعيّ، ماذا نعرف عنه نحن؟ فربما عرفوا ببصيرتهم الثاقبة الكاشفة أمرا نغفل عنه نحن. وبعد بحث طويل اهتديت للحكمة الخافية؛ لا بدّ أن التدريس يؤثر على القدرات الإبداعية للشخص! أجل، فمن المعروف أن التدريس من المهن الشاقة، ولا بد أن واضعي القانون عرفوا أن هذه المشقة تجعل المرء عاجزا عن الإبداع، فأشفقوا علينا وكفونا مؤونة المحاولة، ومنعونا من هذه الإجازة ابتداءً. هذا لئلا تصدر أعمالنا الرديئة، فينكشف للعالم عوارنا، وكيف أثر التدريس في قراتنا العقلية والإبداعية! لكن مهلا، أما كان يمكن أن يحاولوا ترميم ما يصيب عقولنا -نحن المدرسين-، ويمنحونا إجازة مضاعفة؟ فصل نتشافى به من مشقة التدريس، وفصل آخر نكتب فيه العمل الإبداعي.
مهلا، مهلا! ثبتت الرؤية أخيرا. لا بدّ أن الأدباء والمبدعين كائنات خطرة، يمكن أن تنقل جرثومة الإبداع للطلبة، فرأى واضعو القانون أنّه لا بد من اتخاذ جميع الإجراءات لإبعاد الإبداع عن "العاملين في سلك التدريس" بكل الطرائق الممكنة!
والله يا قوم لقد تحيّرت في الأمر، وإلى أن يحدث الله أمرا، فإني سأتوقّف عن نشر أي كتب أدبية جديدة حرصا على المصلحة العامّة. أو لعلّي أغادر إلى الدانمارك لاسترجاع قواي العقلية والإبداعية التي استنزفت من كثرة التفكير في سر هذا الشرط الغريب!

نشرت في جريدة الراي، 5 يوليو 2019، صفحة 10.

رابط نصي.

رابط PDF.

 

 

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

كثيراً ما أتلقّى اقتراحات مجانية، ممهورة بفيض من النصح المتعاطف، تحضّني على إجراء تقويم لأسناني حيث إن لديّ رَبَاعية بارزة في فكي العلوي (والرَّبَاعية بالفصحى السن التي تلي الثنيّة/‏ القاطع). وهذه النصائح المشفقة تأتي مع إغراءات تشرح تقدّم وسائل التقويم، وإمكانية إجراء هذا التعديل من دون اللجوء للتقويم التقليدي. وأمام كل هذه العروض، لا أملك أن أجيب بإجابة واحدة: «لكني أحب ابتسامتي جدا» وأبتسم ابتسامة عريضة تظهر رباعيتي البارزة الثائرة وكأنها تمد لسانها هازئة هازلة! يصمت البعض احتراما لرأيي، في حين يصمت آخرون وأشعر بهم يهمسون في أنفسهم «تؤ، تؤ، تؤ» شفقةً عليّ من حالة الإنكار التي أعيشها!
لا يمكننا أن نَفْصِل الإجراءات التجميلية التي تتكاثر في أيامنا هذه كتكاثر الفطر في البريّة، أقول لا يمكننا أن نفصِلها عن معايير الجمال التي أثبت التاريخ أنّها متغيّرة! فما نراه جميلا في عصرنا هذا، كان يُرى من علامات القبح في عصر ما. وأتذكر أني أمضيت طفولة أسمع فيها مديحا للشفاه الصغيرة الرقيقة، حتى أني لا أصدق كيف صارت الشفاه الغليظة مما يُستملح، الشفاه التي كانت ستثير سخرية لو وجدت قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن. من يصدّق أن سُمرة البشرة ستكون أمرا تنفق الأموال والأوقات في سبيله في مجتمعنا، في حين كان بياض البشرة أمرا تنتصر به الفتاة جماليا على غريماتها. وإذا عدنا بالتاريخ إلى نقطة أبعد، نجد أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التفلّج، وهذا أمر صادم للوهلة الأولى، فمن التي تسعى لإحداث فتحة بين أسنانها والناس يسعون لسد الفتحات بين أسنانهم إذ إنها تمنحهم مظهرا قد يراه الكثيرون مضحكا؟ لكن صدقوا أو لا تصدقوا، كانت النساء في الجاهلية يعمدن إلى تفليج أسنانهن لأن هذا يعطيهن ابتسامة قريبة من ابتسامة الأطفال، فيبدون أصغر! واستقصاء تغير معايير الجمال بتغير الزمن مبحث لطيف ومتشعب شأنه شأن استقصاء اختلاف معايير الجمال بين الثقافات والشعوب؛ وقد يكون القارئ الكريم ممن صُعق يوما حينما عرف أن الصينيات كن يضعن أقدامهن في قوالب ضاغطة كي لا تنمو لأن القدم الصغيرة من علامات الجمال، وأن الأفريقيات يشققن شحمات آذانهن ويحشونها بدوائر مصنوعة من العظام.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

ألقيت هذه الكلمة في الحفل الختامي لأكاديمية الأدب الذي أقيم في رابطة الأدباء الكويتيين في 25 إبريل 2018.

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على رسوله الكريم

يقول شوقي:

تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها ***    تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ

إذا، الروعة والخرافة، الجمال والخيال متلازمان.

نعم، إنه الخيال يا سادة، الحاسةُ السادِسة لدى الأديب، حاسة لم يتصنّعها، بل هكذا اصطنعها اللهُ له.

إذا، ماذا نفعل نحن في أكاديميتنا هذه؟ وكيف تسوّل لنا نفوسنا أن نتدخلَ ونقفَ في طريق هذا الخيال، وقد تدكنا مداحله المنطلقة؟!

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

«لعنة البَيْرَكُوت»: أوزار الحرب التي لا تعرف الجغرافيا
رانيا محيو الخليلي تتنقل في روايتها بين الكويت وبيروت

الكاتب: حياة الياقوت

نشرت في جريدة الراي، العدد 14190، 8 مايو 2018، صفحة 23.

 

تلاحق الحرب "دانيا" كلعنة نافذة، متى ما اطمأنت أنّها قد أفلتت منها، أبرزت لها رأسها الشطون مجددا. في رواية "لعنة البَيْرَكُوت" تعالج الروائية اللبنانية رانيا محيو الخليلي موضوع الحرب، تسبر أغوارها، وتلتقط أفاعيلها. تعايش "دانيا" بطلة الرواية الحربَ الأهلية اللبنانية، فتفرّ مع أسرتها إلى الكويت، حيث تنتظرها نكبة أخرى؛ الغزو العراقي. ومن هنا جاءت "البَيْرَكُوت" وهي مزج من بيروت والكوت (التي صُغّرت لاحقا لتكون اسم الكويت).

تبدأ الرواية في أغسطس 1989 في بيروت حيث تدور طواحين الحرب الأهلية اللبنانية على دانيا الطالبة في المرحلة الثانوية وأسرتها. لأواء الحرب والقذائف الطائشة تدفع بسكان البناية إلى التجمع في ملجأ واحد، وهنا تعرض لنا الروائية كيف تذوب الفروقات بين السكّان، ليظهر الخيط الإنساني الرفيع الذي يشبكهم. يتقاسمون الاحتياجات، ويتشاطرون الخوف والقلق. في خضمّ ذلك، تتوثق علاقة دانيا بجارهم رياض الصحافي صاحب المبادئ الذي يلحظ موهبة دانيا في الكتابة ويتبناها ثقافيا. يتفرّق معظم قاطني الملجأ، إما بالموت، أو بالرحيل إلى أماكن آمنة. يحصل والد دانيا على عرض من الشركة التي كان يعمل فيها لينضم لفرعها في الكويت.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

يالَهذا الواقع المُوجع العديم التهذيب! هذا الواقع نفسه هو مَعْجَن الكاتب؛ منه يستمد حكاياته، وبسببه يكتب. ولأن هذا الواقع لا يخلو من أمراض، ولأنّ جمال الواقع ليس سببا كافيا للكتابة دوما، لا بد إذًا من استفزازٍ يحرّك مياه الكتابة العزيزة. ويمكن لمنظر جميل أن يلهم لوحة أو قصيدة، لكن حين الحديث عن كتابة  معرفية فكرية تثير الأسئلة، وتنزع الأعشاب الضارة، فإن الجمال ليس محفزا رئيسا للكتابة "التثويرية"، لأن الكتابة عن الجمال والاتساق احتفال واحتفاء وقتي بلحظة، بومضة، بعارض يعرض على الواقع. أما الكتابة التأصيلية، فمحركها الرئيس استفزاز، قد يكون على شكل تقزز من الواقع أو غضب منه، أو خوف، أو قلق، أو دهشة، وفي بعض الأحيان القليلة انبهار بجمال فائق.

السؤال هنا، كيف يمكن للكاتب أن ينقل هذا الواقع المريض ويعرضه؟ لا يمكن قبول التجميل هنا، وأي تزيين هنا هو تزييف لا محالة، فالأديب ليس مزيِّنا أو خبير "مكياج". لكنّه أيضا ليس صحافيا ينقل الخبر بدقة وتفصيل، فالأديب ليس كاميرا!

وهنا يمكن أن نتفذلك كثيرا، وننظّر، وندبّج، ونتشدق بالماينبغيات، والمفروضات، والمأمولات. سنثرثر كثيرا، وسيُودي الواقع المريض في أثناء ذلك بضحايا كُثر. لكنْ لا بد أن نحسم الأمر، ونرسم خريطة الطريق، ونعثر على الملقط المناسب لاصطياد جرثومة الواقع الموحل، وعرضِها على القارئ دون أن يتسخ أي الطرفين –الكاتب أو القارئ- بها.  

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

كثيرٌ من الناس يخدعهم الاسم. فحينما يقال إنّ فلانا ينتمي إلى المدرسة الرومانسية أو تأثر بالاتجاه الرومانسي في الأدب، يظنّه البعض كاتبا متخصصا حصرًا في قصص الحب والغراميات. وكم تكون صدمتهم عظيمة حين يعلمون أنّ أتباع المدرسة الرومانسية هم  ثُوَّار الأدب! الرومانسيون (أو الابتداعيون كما يسميهم البعض) تحرّكهم الفردية، والذاتية، والخيال، والوجدان. الرومانسيون نادرا ما يعبؤون بالشكل التقليدي للصنف الأدبي الذي يكتبونه، بل يميلون للتجريب والخروج عن القاعدة، فهذا جزء من تكوينهم الثوري. الرومانسيون حالمون، توّاقون للماضي، على صراع دائم مع المجتمع، ببساطة لأن المجتمع يسعى لتقويض أهم ما يميزهم: الذاتية. هم قوم يأبون أن يكونوا نُسخا من القطيع. ونظرا لطبيعتهم الحالمة والمشبعة بالوجدان، نجد الطبيعةَ تعني لهم الكثير، لكن بطريقة مختلفة عن السائد. فالأديب الكلاسيكي (المدرسة الإتباعية) يتعزل بالطبيعة وروعتها، بينما نجد الأديب الرومانسي يؤنسن الطبيعة. ومن المفارقات أنه رغم طبيعة الرومانسيين الحالمة التي تخدع الناس فيظنون أنهم قوم مسالمون، نجدهم في صراع مع المجتمع، وتعتريهم نزعات ثورية ساخطة، مشبعة بالعاطفة المضطربة أحيانا!

يوم "فالنتاين" مناسبة تعامل الزهور بطقسية قطيعية باعتبارها أفضل تعبير عن الرومانسية. لن نغوص في الأسباب التاريخية والنفسية التي جعلت البشر يرون أن الزهور لها هذه القوة التعبيرية، بل فلنرَ كيف يرى اثنين من الأدباء الذين طالتهم النزعة الرومانسية، كيف يرون هذا الأمر، أي قطفَ الزهور وإهداءها.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

يفاجئني هذا الانطباع العام الفاشِي لدى الكثير من القراء، وبعض الكُتّاب أنّ العمل السَّرْدِيّ (الرواية والقصة القصيرة تحديدا) يجب أن يحوي قصة حبّ، سواء أكانت القصة الرئيسة للعمل، أو قصةً ناقلةً للقضية التي يودُّ الكاتب أن يتناولها.

وأنا هنا لست أُعادي الكتابة عن الحب، لكنّي أستغرب أن يكون الموضوع الأوحد، أو موضوعا يدس أنفه في كل قصة، وكأن عناصر القصة صارت: الشخصيات، والأحداث، والزمان والمكان، و ... وقصة حبيبين!

والسؤال هنا: من أين أتى هذا الانطباع الذي صار واقعًا بشكلٍ أو بآخر؟

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

في ذلك اليوم الصيفي، حيث وصلت الكآبة حدَّها الأقصى، استيقظت بثقل وجعلتُ أتأمّل النقوش على حاشية السقف في غرفتي في الفندق. كانت تلك طريقتي للتهرب من اليوم الممل الذي ينتظرني في رحلة إلى مدينة عربية استهلاكية لا تناسبني، ولا يهم ذكر اسمها هنا.

رنوت إلى السقف، "زخرفة إسلامية"، قلت لنفسي. نفسي الضجِرة التي كانت تبحث عن طريقة تمضي بها الوقت. وبدأت حفلة الأسئلة في رأسي!

 

- عزيزتي نفسي، كيف ولدت الزخرفة الإسلامية؟

- من أبوين مسلمين!

- لا، لا، هذا ليس أوان الاستظراف! كيف يمكنك الهزل في ظرف كئيب كهذا؟

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

سيكون جميلا، وأسطوريا، ونبيلا، لو تحققت تلك القصة السعيدة المعتادة؛ ينتصر الأبطال الأحرار الأبرار، ويموت الأشرار الأوباش أو يندمون على فَعلتهم. تغرّد العصافير، وتتراكض الأرنب. تندحر الأفاعي، ويهاجر الثعالب.

وكثيرون منّا ما زالوا يسقطون قصص الطفولة تلك على كل ما ينكّد عيشهم. يمنّون النفس بيوم تنقرض فيه الرقابة كما الديناصورات، تصبح من الماضي مثل التنينات، تغدو خرافة مخيفة للتندر والتفكّه مثل "السعلوة" و"حمارة القايلة"، تغدو شيئا للعظة والعبرة والتبجح بالانتصار عليه مثل فيروس الجدري.

مرحبا يا بني قومي، يؤسفني أن أحيطكم علما بأنّ الرقابة –إذا كنتم مصرين على الأسْطرة- مثل العنقاء، تغيب تحت الرماد وتعود مجددا أكثر قوة وأناقة!

معاذ الله أن أكون ممن يدافعون عن الإقصاء أو التسلط، لكن أيضا يسوؤني أن أرى المثقفين فاشِيين في نضالهم! ففي معرض رغبتهم في التخلص من الرقابة، يطالبون مطالبات إقصائية وشمولية مثل إلغاء الرقابة عن بكرة أبيها، وهذا مطلب لن أناقش مشروعيته بل معقوليته، فهو برأيي طوباوي وطفولي وغير معقول.