(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 (طبعت القصة ضمن فعاليات حملة "نوري اكتمل"، إحدى حملات نادي ريماس للفتيات التابع لمبرة طريق الإيمان)

 

أجل، أعرف تلك القصة السخيفة المكررة! فتاة فائقة الجمال ذات وجه مستدير وخدين ورديين ترتدي الحجاب، فتزداد جمالا، ويغرّد الكون حولها، وتطير الفراشات، وتحط الطيور على كتفيها.

شيء مثالي رومانسي، ولا ينطبق عليّ أبدا! أنا، من أنا؟ أنا اللاشيء، أنا التي لا قيمة لي دون شعري، أنا كتلة القبح المتوّجة بشعر فاتن، أنا التي وُضع كل جمالي في شعري. هل تعرفون ماذا يعني الحجاب لي؟ يعني أكبر كارثة في حياتي. حسنا، الحجاب للجميلات، والنقاش انتهى!

 جارتنا الدكتورة سميرة ظهرت الأسبوع الماضي على التلفزيون لتتكلم عن مرحلة المراهقة، ومدى حساسية المراهق. أفلا نصحت نفسها؟ هذه التي تتطفل عليّ وتدس أنفها في شؤوني وتقترح على أن أتحجّب؟ يزداد إيماني بانعدام نباهتها حين تقول لي: "يا لهذا الشعر الرائع، ما شاء الله!" ثم تتبع مديحها باقتراحات وتلميحات، ثم تصريحات حول الحجاب. يمتدحون شعري الجميل، ويطلبون مني تغطيته. هيهات، هيهات! شعري الجميل، حارق القلوب والأكباد، شعري الطويل اللامع، الكثيف الرائع. كيف أغطيه؟ لا وألف لا!

لا بد من الحفاظ على رأس مالي الوحيد/كنزي/تاجي/ميزتي التنافسية. خلال السنتين الأخيرتين صارت عندي خبرة تراكمية لا بأس بها، أرد بها على جميع أنواع الحجج التي يمطرونني بها. كنت أكتب كل حجة على ورقة ملونة، وأحتفظ بها في ملف خاص. وقررت هذا الأسبوع أن أعلق لوحة كبيرة في غرفتي وأثبت عليها هذه القصاصات العزيزة لتشد من أزري إزاء حربهم الشطون!

حججي المدججة جاهزة. ذخيرتي في وضع التأهب.

 

يقطع والد حواري الداخلي قائلا:

- ها قد ثبتُّ لك اللوحة. لكن أظنك بحاجة إلى زيادة الإضاءة في غرفتك. اللوحة تغطي النافذة تماما. لست راضيا على مكانها.

- بابا حبيبي، لقد ناقشنا هذه المسألة. أريد للوحة أن تكون أمامي حينما أجلس على المكتب. كما أن جدران غرفتي ممتلئة تماما. شمسنا مُحرقة، وهذه اللوحة تسدي لي خدمة حينما تحجب عني ضوء الشمس.

 

ما أن يخرج أبي، حتى أغلق باب الغرفة، وأشرع في صف وريقاتي الملونة الجميلة على اللوحة. ستتكاثر هذه الوريقات لا محالة. كلما جاؤوا بحجج، جئت بردود، ردود تتنوع: بعضها منطقي عقلاني، وبعضها مؤذٍ يخرسهم، وبعضها الآخر محرج وصبياني. المهم أن يتوفقوا عن مشاريعهم الاستعمارية تجاه خصوصياتي، وتجاه كنزي الثمين؛ شعري.

 

* * * * *

 

يا لهذا الصباح السعيد جدا! ألغيت حصة الرياضيات لأن هناك محاضرة مفاجئة ومديرة المدرسة اختارت صفنا لحضورها. اللهم كثّر من الندوات والمفاجآت السعيدة. اللهم أطل أمَدَها، وكثّر عددها!

جلست امرأتان على المنصة، تتوسطهما إحدى المعلمات التي رحبت بضيفتينا "جويرية كارلوس" والمترجمة التي لا أتذكر اسمها. أخذت المعلمة تهذر، وترحّب بالضيفة التي اعتنقت الإسلام منذ خمس سنوات، وتثني عليها وتقول كلاما إنشائيا كبيرا وكثيرا. لم أكن في الحقيقة أصغي لمعظم ما تقول، كنت لا أزال سعيدة بتخلصي من حصة الرياضيات.

ثم أمسكت جويرية بالمايكروفون وقالت عبارة واحدة، وسكتت. ونظرت إلى المترجمة كي تترجمها.  

"تقول الأخت جويرية: شعري كان رأس مالي، شعري كان كنزي!"

ماذا؟ ماذا؟ لا يجوز! حقوق الملكية الفكرية لهذه العبارة محفوظة لي! أنا التي أقول أن شعري رأس مالي! كيف سرقت هذه المرأة كلامي؟!

"منذ خمس سنوات كنت أتقاضى دخلا سنويا يصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات سنويا. كنت أعمل عارضة."

نسيت الصدمة قليلا، وأخذت مع زميلاتي نتأملها. لا بد أنها تمزح! إنها عادية، بل قد تكون أقرب إلى البشاعة. كيف يمكن لها أن تعمل عارضة؟

"في البداية، وبعد فشلي في الدراسة، عملت مسوقة لبعض منتجات الشعر، لأن شعري كانت لامعا وصحيا وطويلا. ثم تبنتي إحدى الوكالات، وانطلقت في هذا الطريق عارضة يستخدم شعري في صور وإعلانات لمنتجات متعلقة بالشعر."

واسترسلت في الكلام عن بدايات دخولها في الإسلام، ثم قالت:

"كنتُ على المحك. شعرت بأن شعري، تلك الهبة، هو الذي كان يحجبني عنه. وكأنه ابتلاني بهذه النعمة كي يخيّرني، هل أحبه أكثر أم أحبها."

"كان عندي سلة من الحجج المنطقية، كان يمكنني أن أبحث عن فتاوى خاصة بالمهتدين الجدد، كان وكان يمكنني أن أسوق التبريرات، لكن كنت سأخادع نفسي! نعم، بحجبي لشعري أخسر حياتي، أخسر مورد رزقي الأساسي، والشيء الوحيد الذي يحدد قيمتي. لكن، {أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}؟"

أخذ الحرج يتصاعد، وصرت أشعر بوخز في أذني ووجنتيّ. كدت أقسم بأني المعنية بهذه الندوة. وأن هذه الإنسانة جاءت في زيارة لبلادنا خصيصا من أجلي! نرجسية؟ ها ها ها، شعور طبيعي في مرحلة المراهقة!

"رأس مالي علاقتي بالله، كنزي هو تضحيتي من أجله." قالت جويرية، وهززت رأسي بحماسة.

 

* * * * *

 

أعود إلى البيت. أنظر إلى المرآة، وأهز رأسي بحماسة. أسحب حجابا ألفه على رأسي. امممم، اللقطة الفنية ينقصها شيء مهم. أجل الإضاءة! أهرع إلى اللوح الذي يسد النافذة، أنزعه على عجل رغم حجمه الكبير على يدي الصغيرتين.

أعود لأنظر إلى نفسي في المرآة، أطالع كنزي الملفوف بالقماش، أطالع رأس مالي وقد حولته إلى استثمار بعيد المدى، إلى سلعة غالية بعتها لله.

اللقطة الآن ممتازة. أبتسمُ، أبتسم بحماسة، هذا لأن نوري اكتمل.