(وقت القراءة: 1 دقيقة)
الشعراوي والـ24 قيراطا
سمعت الشيخ محمد متولي الشعراوي ذات مرة يذكر نظرية جميلة ومقنعة ألا وهي نظرية الأربعة وعشرون قيراطا.
النظرية تقول أن الله أعطي كل شخص منا 24 قيراطا من النعم (صحة، ذكاء، جمال، مال، ذرية ... إلخ) بيد أن توزيعها بيننا يختلف. لكن في المحصلة النهائية لكل منا 24 قيراطا، وطبعا العدد 24 للمثال فقط وليس للتحديد. فإذا كان لدى شخص ما الكثير من المال (10 قراريط مثلا) والجمال (5 قراريط) والذكاء (5 قراريط)، لا تقل "لم عند فلان كذا وكذا" لأنك إن دققت جيدا فستجد أنه لديه 4 قراريط من الصحة فقط وليس لديه أي قيراط من الذرية. وإذا خيل لديك أن لدى فلان كل شيء، فأنت واهم حتما. الأمر وما فيه أن لدى فلان هذا قراريط قليلة من كل شيء، لكن هل يا تراه يعي ذلك ويشكره أم تراه يتمنى لو يزيد أمر وينقص أمر؟
هذه ليست دعوة لترك الأخذ بالأسباب والتغافل عن السعي. لكنها دعوة للرضا إذا لم تفلح الجهود وإذا تقطعت الأسباب.

قل ما شاء الله
إذا التفتنا إلى هذه العدالة الإلهية في توزيع النعم لارتحنا من كثير من أمراض القلوب مثل العين والحسد والحقد التي تنخر في صاحبها قبل أي شخص آخر، وكما قال الشاعر:
اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله *** فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

عفوا، فقراريطي الدينية غير كافية!
قد يقول قائل، إذا التدين نعمة من نعم الله، فأنا لا أؤدي فروضي لأن الله لم ينعم علي بقراريط كافية من التدين. للأسف، التدين ليس من ضمن الأمور الداخلة في القراريط الأربعة والعشرين. ففي أمور التدين نحن مخيرون لا مسيرون، ولو كنا مسيرين لما حاسبنا الله يوم القيامة. صحيح أن الهدى من الله، لكن الله لا يهدى من لا يستحق الهدى إذا أن بعض المفسرين رأوا أن تفسير "يهدى الله لنوره من يشاء" يكون بإرجاع الفعل يشاء إلى الله عز وجل وإلى العبد أيضا، فإذا شاء أحدنا وأحب أن يهديه الله (بأن يتخذ من الخطوات العملية ما يُرضي بها الله) فأن الله سيهديه.

كم قيراطا من السعادة عندي يا ترى؟
راحة البال والسعادة هي الرضا بتوزيع القراريط التي لديك. ولا تتخيل أن السعادة ستهبط عليك هكذا دون مقدمات. عليك أن ترضى ليرتاح بالك ويسكن قلبك. وإن لم تفعل، فستمتد عيناك لما عند فلان وفلان، فلا تسعد بما لديك، ولا تنال ما لدى فلان لان ببساطة ليس مقسوما لك. "من رضي بقَدَري، أعطيته على قدْري" (حديث قدسي)

وبالمثال يتضح المقال
بعد هذه المقدمة النظرية والفكرية المرهقة، جاء وقت القصص، ومن منا لا يحب الشوكلاتة، عفوا، أقصد القصص؟ علما بأن القصة أدناه من نسخ خيالي وأي تشابه في الأحداث غير مقصود ووليد الصدفة.
القصة طويلة قليلا، لذا أنصحكم بالاسترخاء وإحضار كوب من مشروبكم المفضل والتفرغ للقراءة :)

قصة غبطة وأديب

كان يا ما كان، في هذا الزمان، زوجان سعيدان. الزوجة تدعى غبطة والزوج يدعى أديب.
عاشا بضعة سنوات معا كعصفورين مغردين. لم يرزقهم الله بالذرية، لكن السعادة التي كانا فيها كانت كفيلة بإنسائهما ذلك. بل أنهما في قرارة نفسيهما كانا يحمدان الله أن لم يرزقهم الذرية! حيث أن وقتهما ملكهما، يتحادثان ويتسامران، يرتبان عشاءات رومانسية، يخرجان ويسافرن دون قيود، يمارسان هواية يشتركان فيها. ولو كان لديهما أطفال لما حصلوا على كل هذا. باختصار، كانا راضيين بما وهبهما الله من قراريط.
لكن من قال أن الرضا وحده يكفي؟ حتى في حال الرضا بالقراريط الأربعة والعشرون هناك ابتلاءات واختبارات وفتن، ليعلم الله من رضي تمام الرضا، ومن رضي رضا سطحيا أو مؤقتا. وهكذا هو حال الدنيا، من بلاء إلى بلاء ومن فتنة إلى أختها.
بدأت الحماة أم أديب بـ"الحنّة" المعهودة، فنادت ابنها وجلست معه في ركن وحدهما وأخذت تلح قائلة:

_____________________________________

أم أديب: هاه؟ متى أكحل عيني برؤية أبنائك؟
أديب: كل شيء بيد الله.
أم أديب: ونعم بالله. ولكن الأمر طال، وأنا أنتظر اليوم الذي تدخل علي فيه وأبناؤك يسيرون خلفك يتقافزون.
أديب: كل شيء في وقته حلو.
أم أديب: إنها غبطة أليس كذلك؟ العيب منها. لا تحاول إخفاء الحقيقة عن أمك. هذه المرة أستحلفك بالله أن تجيب ماذا قال الأطباء.
أديب: أمي يا سويداء قلبي. لا تقولي عيب، ما يأتي من الله لا يُعاب. قدر الله لا عيب فيه يا أمي.
أم أديب: ونعم بالله. لكنها هي السبب، هاه؟ انظر في عيني يا بني.
أديب: أمي، نحن سعيدان والله الحمد والمنة. فلم نفتح هذه المواضيع.
أديب: آه منك. أعرفك من عينيك. إذا هي السبب وأنت لا تريد أن تقول. يا حبيبي يا بني، تكتم في قلبك كل هذه السنوات!
أديب ضاحكا: ها ها ها! أكتم ماذا؟ أنا وغبطة سعيدان ولله الحمد. إذا كان هناك ما أكتمه، فهي السعادة. أكتمها خوفا من العين والحسد، لكني لا أكتمها عنك أماه، فأنت تعلمين قدر السعادة التي أنا فيها مع غبطة.
أم أديب: ولكن ألا تريد أن تسعد قلب والدتك وترضيها؟ ألا تريد أن أموت وأنا راضية عليك.
أديب: أطال الله في عمرك يا أمي. هذه الأمور بيد الله.
أم أديب: ونعم بالله. لكن ما رأيك بابنة خالتك حنين؟ نساء عائلتنا كلهم ولادات. وأنت تعرفها من زمن طويل وأحسبكما متفاهمين.
أديب مندهشا: حنين مثل أختي. لا أكثر ولا أقل. ثم ألم يحن وقت الغداء؟ أم أنك لا تنوين أن تكرميني بطبق من يديك الجميلتين؟
وأمسك أديب بيد أمه وقبلها.

_____________________________________


بعد الغداء في منزل عائلته، خرج أديب مع غبطة ليمارسا هوايتهما. غبطة مصورة ماهرة ولديها حس فني راق، وأديب يجيد تصميم "الغرافيكس". ولذلك كثيرا ما يخرجان لتلتقط غبطة بعض اللقطات التي يحولها أديب إلى بطاقات بديعة. وقد اتفق الزوجان مؤخرا مع شركة قررت شراء البطاقات منهما لتطبعها وتوزعها تجاريا.
وبعد أن انتهيا من الجولة التصويرية اللذيذة، حان وقت التلذذ بالطعام. دعا أديب غبطة إلى مطعمها المفضل. ورغم أنه لا يحب "الباستا" كثيرا، إلا أنه يعلم أن تحب هذا المطعم، فكان يفتش في قائمة الطعام عما يمكنه التصبّر به. كل هذا من أجل غبطة. ويا للغبطة التي تعيش فيها غبطة.


بعد أن عادا إلى المنزل، استحم أديب بسرعة وودع غبطة ليذهب إلى الديوانية. لم تكن غبطة تمانع في ذلك، بل أنها كثيرا ما تحثه على الذهاب وتخبره أنها صلة رحم عليه القيام بها إذا أنها تعلم أن الديوانية التي يذهب إليها ديوانية العائلة ومعظم الموجودين من أهل الأخلاق والصلاح. وفي مقابل ذلك، يحرص أديب ألا يتأخر كثيرا عندما يذهب هناك.

_____________________________________

لكن ديوانية اليوم لم تكن كسابقاتها، فقد جاء وليد من السفر بعد أن انهي دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية وصار مهندسا. ووليد هذا من أقارب أديب، في الحقيقة هو ابن خالته وأخ حنين التي كانت أم أديب تحاول تزويجها له.
دخل أديب إلى الديوانية وبعد السلام والكلام، جلس بحانب وليد يتحادثان في أمور الحياة.
وليد: هاه يا أبا أحمد؟ متى نرى أحمدَ إن شاء الله؟
أديب مبتسما: عندما يشاء الله.
وليد: "شد حيلك" قليلا يا رجل!
أديب: حدثني عن أمريكا، كيف كانت أموركم بعد 11 سبتمبر؟
وليد: أي بمبر وأي سبتمبر؟ أنا أكلمك في موضوع وأنت تكلمني في موضوع آخر.
التفت وليد حوله وهمس محاولا أن يتظاهر أنه مهتم بأمر أديب: آمل إلا يكون العيب منك يا أبا أحمد.
هنا ولأول مرة أحس أديب بإحساس لم يحسه من قبل فرد بسرعة: لا لا، غبطة عندها مشاكل. لكن ربك كريم.
انتفش وليد زهوا وكأنما حصل على بغيته وقال لأديب:
أنت رجل، والقرآن يقول مثنى وثلاث ورباع. والأحسن أن تطلقها وترتاح.
أديب: ولكني أحب غبطة!
وليد: حسنٌ، حسن. لا تطلقها. لكن التفت إلى نفسك قليلا. ألا تريد أبناء يقفون بجانبك حين تكبر وينحني ظهرك؟
أديب: وهل أضمن أن أعيش غدا حتى أضمن أني سأعيش حين ينحني ظهري؟ وهل أضمن إن جاءني أبناء أن يكونوا بررة يقفون بجانبي أم تراهم يعقوني ويعقفون أملي وقلبي قبل أن يعقف الزمن ظهري؟
وليد: والله أنا نصحتك والله يشهد أني ما أريد إلا مصلحتك. لكن نصيحة، إذا كان العيب منك تعالج. أنا لي معارف في إدارة العلاج بالخارج، إذا أحبب ممكن أن ...
قاطعه أديب غاضبا: وليد إذا سمحت!
توتر الجو بين وليد وأديب، لكن لحسن الحظ لم تمر لحظات إلا وقد جاء النداء إلى مأدبة العشاء المقامة بمناسبة وصول وليد إلى الكويت.

_____________________________________

مرت الأيام، لكن إلحاح والدته المستمر وكلمات وليد اللئيمة ترن في أذنيه كل يوم. أديب ما عاد كما كان. صار نزقا وانفعاليا. وكثيرا ما يشرد بخياله. وكلما حاولت غبطة سؤاله عن الأسباب ينتهي الأمر بشجار ما كان أحد منهما يتوقع أن يحدث بينهما في يوم.
وفي يوم، قررت غبطة أن تضع حدا لما يحدث.
غبطة: مشغول؟
أديب: كلا.
غبطة: هل لديك الوقت والمزاج للدردشة؟
أديب: حسن.
غبطة: ألا تريد أن نخرج؟ شكل الغيوم رائع اليوم، وبلمساتك الجميلة، سيكون لدينا بطاقة رائعة.
أديب: لا، لا. لا أريد الخروج.
غبطة: أديب ما بك؟ لست طبيعيا.
أديب: مشاكل في العمل.
غبطة: انظر في عيني؟
ويتجنب أديب النظر إليها.
غبطة: أرأيت؟ أعرفك حين تخفي الحقيقة. اسمع، أنت متضايق من أمر ما. إما أن تخبرني به لأساعدك في حله، وإما أن تخبرني به لأساعدك في حله. يعني لا خيار عندك.
يضحك أديب قليلا لكن سرعان ما يعود لسيرته الأولى.
غبطة: هيا قل، لا تضطرني لاستعمال السحر معك لاستنطاقك.
وأخذت غبطة تتمتم مازحة "عفركوش، مردقوش، فرتكوش".
هنا انفجر أديب ضاحكا أمام خفة ظل غبطة.
شرد أديب قليلا ثم قال:
لا أريد أن أجرح مشاعرك، ولكني أرغب في أن أكون أبا.
غبطة: ماذا؟ ألست أنا ابنتك المدللة؟ أم تراجع نكصت عن وعدك حين قلت أني حبيبتك وزوجتك وأختك وابنتك. آه منكم أيها الرجال، ذاكرتكم ضعيفة دوما!
وأخذت غبطة تضحك. لكن أديب رمقها بنظرة جادة:
كلا، أنا جاد في ما أقول.
سكتت غبطة وأخذت تحملق في المصباح على الطاولة القريبة منها. ثم قالت:
لكن هذا قضاء الله، وقد أخذنا بالأسباب وراجعنا الأطباء. فماذا بإيدينا؟
أديب: أطفال الأنابيب.
غبطة: لكنك سمعت الطبيب حين قال أن هذا الخيار ليس خيارا محبذا، فاحتمال نجاحه ضعيف، وتكراره سيؤثر على صحتي.
أديب: لكنه خيار مطروح. وبصراحة، أنا رجل أريد أطفالا يحملون اسم العائلة!
غبطة: لكنك إخوانك جميعا لديهم أبناء يحملون اسم العائلة.
أديب: أنا أريد أبناء يحملون اسمي. وبصراحة، يحق لي أن أتزوج ثانية.
غبطة: تتزوج علي؟
صمتت لبرهة ثم قالت:
أرأيت إن كنت أنا في وضعك، كيف ستشعر لو قلت لك طلقني، أريد الزواج برجل غيرك فقط من أجل الأطفال.
أديب: لا تدخليني في سيناريوهات خيالية رجاء. والدتي تلح علي بأن أتزوج ابنة خالتي حنين.
صمتت غبطة لدقائق ثم قالت: فلنعط الأمر فرصة أخرى. فنراجع طبيبا آخر.

_____________________________________

ذهب أديب وغبطة إلى استشاري له سمعته في مجال المساعدة على الإنجاب. ودخلت غبطة مرة أخرى في دوامة من الفحوص والتحليلات. وفي النهاية لم يكن رد الاستشاري مختلفا عن سابقيه من الأطباء. لكن غبطة بادرت الطبيب بطلب تجربة التلقيح الاصطناعي (أطفال الأنابيب كما يسميها البعض). ورغم تحذير الطبيب لها كون الأمر لا يلائمها لأن فرص نجاحه ضعيفة وتكراره سيكون على حساب صحتها إلا أنها أصرت على الأمر إلى أن رضخ الطبيب لرجاءاتها.

_____________________________________

مرة، مرتان، ثلاث، أربع. إجهاض، اثنان، ثلاثة، أربعة. كل المحاولات فشلت، وصحة غبطة لم تعد كما هي، وكذلك وهجها وخفة ظلها.
هذه هي المرة الخامسة، وغبطة تدعو الله أن يستمر الحمل. أحست غبطة بآلام، وأيقنت أن الأمر لن ينجح كسابقيه. نقلها أديب إلى المستشفى على عجل، لكن الأطباء طمأنوهما أن الحمل أكثر استقرارا هذه المرة. لكن على غبطة أن تتجنب الحركة الكثيرة، وعليها أن تقضي الشهور الأخيرة مستلقية في المستشفى على ظهرها للتأكد من ثبات الحمل خاصة وأن الحمل غير عادي، ففي أحشاء غبطة 5 توائم!


حاولت غبطة الحصول على إجازة من جهة عملها، لكن القطاع الخاص لم يكن رحيما معها خاصة حين أخبرت زميلة حقود رئيسها أن غبطة على وشك إنجاب خمسة أطفال دفعة واحدة، وأنهم أن سمحوا لها بإجازة أثناء الحمل والولادة، فستسترسل في طلب الإجازات حين تصير أما. واضطرت غبطة في النهاية إلى تقديم استقالتها.

_____________________________________

وفي الشهر الثامن ارتفع ضغط غبطة، واضطر الطبيب إلى توليدها باكرا عن طريق عملية قيصرية. الوضع عصيب ومقلق. وفي النهاية خرج 4 توائم إلى الحياة، وأسلم الخامس روحه إلى بارئه. وللأسف، لم تتمكن العائلتان من الفرحة بالتوائم كما ينبغي، فوضع غبطة الصحي سيء إذ دخلت في غيبوبة. لكن رحمة الله كبيرة، فها هي تعافت وعادت إلى بيتها.

 

غبطة: سعيد؟ أردت طفلا وصار لديك أربعة؟
أديب: سعيد، سعيد جدا.
غبطة: الحمد لله.

_____________________________________


شقتهما الصغيرة صارت تعج بالحركة، لكن أكثر من اللازم. فقد كانت مزدحمة ليس بسبب المواليد الجدد وحسب، بل بسبب الخادمة والمربية اللتان استقدمها أديب لتساعدا غبطة في الاعتناء بالصغار. اضطر أديب إلى الانتقال إلى شقة أكبر وأغلى إيجارا سيما وأن الأبناء سيكبرون وسيحتاجون غرفا مستقلة، كما أنه اضطر إلى استقدام مربية أخرى لتساعد غبطة، فالصغار كانوا نكدين ومزعجين بشكل غريب وغير مبرر. وإذا بكى أحدهم، تضامن معه البقية. ورغم تكاتف غبطة والمربيتين إلا أن إحدى المربيتين عيل صبرها وطلبت أن تعود إلى وطنها واضطر أديب إلى اللهاث للبحث عن مربية أخرى ذات خبرة قبل أن يصبح البيت حلبة تزلج يتزحلق عليها الجميع وهو أولهم!


ولم تمر سوى أسابيع من قدوم المواليد حين شعر أديب أن دخله لا يكفي رغم أن حصل على العلاوة الاجتماعية (50 دينار كل طفل). لحسن الحظ، سرعان ما وجد عملا مسائيا يساعده في تحمل النفقات. لكن أديب لم يعد يطيق الأمر؛ عمل في الصباح وفي المساء، وعليه أن يذهب إلى السوق ليشتري هذا وذاك، وعليه أن يأخذ الأطفال ليحصلوا على التطعيم الدوري، وعليه أن ينقل المريض منهم إلى الطبيب. صار يشعر بالاختناق على كل المستويات. إنه يشعر كما لو كان عتّالا يعمل في سوق الخضراوات!
اضطر أديب إلى استقدام سائق ليكون مسؤولا عن قضاء حاجات المنزل التسوقية، واضطر إلى تأجير ملحق قريب من عمارتهم ليقيم فيه السائق ليكون على مقربة حين طلبه.


يا فتاح يا عليم. مشكلة جديدة! الخادمة تعاركت مع المربيتين خاصة وأنهما تختلفان معها في الجنسية. ورغم الحلول الودية، هربت الخادمة وتشتت أديب بين البحث عن خادمة جيدة بديلة وبين الإبلاغ عن هروب القديمة.

دخل أديب سوق الأسهم رغم أنه لا يفقه فيه شيئا وكثيرا ما كان يشنع على زملائه المضاربين دون معرفة. لكن ظروف الحياة والالتزامات أرهقته. ورغم أن أديب وغبطة لم يدخلا في دوامة المظاهر الاجتماعية العاقبة لوصول الأبناء مثل حفلات الاستقبال وذلك نظرا لظروف غبطة الصحية، لكن أربعة أبناء دفعة واحدة أمر لا قِبَل للكثيرين به. أما الهواية المشتركة والعشاءات الرومانسية فصارت أثرا بعد عين. وصار أديب ملقى على الرف يعلوه الغبار بالنسبة لأولويات زوجته المشغولة بالأطفال الأربعة النكدين.

لم يوفق أديب في مضارباته، وخسر الكثير من مدخراته إن لم يكن كلها. وها هو الآن يدخل أحد المصارف الربوية ليقترض.

أديب، لقد كسبت قراريط كثيرة في خانة الذرية، لكنك خسرت قرارايط أكثر من صحتك ومالك. أما لو رضيت، أما كان أفضل؟

"من رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط"