(وقت القراءة: 1 دقيقة)
ردا على الكاتب محمد المليفي في مقاله:" بول أميركا في العراق .. ونعال الزوجة المشهورة .. ومصدر الفتنة" - جريدة السياسة الكويتية.

يا للغرابة! نتساءل و نتساءل لماذا ينتصر من لا يعبد الله و نتقهقر نحن؟ الإجابات عدة، لكن اوضحها و أسطعها ما يمارسه بعضنا يوميا. اختلاق النصوص الدينية و لي عنقها لتتلائم مع ما يكمن في التنشئة الاجتماعية و العرف و التقاليد و "اللاشعور الجمعي". قرأت للكاتب محمد المليفي في جريدة السياسة مقالة بعنوان "بول أميركا في العراق .. ونعال الزوجة المشهورة .. ومصدر الفتنة" يتكلم في القسم الثاني منها عن أستاذة جامعية ضربت زوجها بالحذاء و شتمته علنا. و بغض النظر عن الحادثة المذكور، يحق للكاتب المليفي التعليق عليها و سيكون ذلك مقبولا تماما إن ظل في نطاق الرأي الشخصي المُـــــعْـــلِــم لا المُــلْــزِم، لكن أن يتحول الأمر إلى عبث بالنص الديني، هنا يحق للقارئ أن يستعمل ال "لا". فالأمر خرج من خانه وجهة النظر إلى خانة الفتوى.

استشهد الكاتب بحديث للرسول صلى الله عليه و سلم أدعى صحته و هو " تخيروا لبناتكم الزوج, فإنما هم إماء". رغم أن الأمر لا يحتاج عبقرية لإثبات عدم صحة الحديث، فلا يعقل أن أفصح العرب – الرسول صلى الله عليه و سلم –يخطى فيستعمل "هم" و هو ضمير يستخدم للمذكر بدلا عن "هن" و هو ضمير يستخدم للمؤنث. و إحقاقا للحق و رغم الخطأ اللغوي لجأت إلى البحث و التحقق ، فأعياني التعب و انا ابحث عن حديث كهذا أو حديث بنص أو معنى قريبين فلم أجد.
هل قلنا عبارة"حديث صحيح". ماذا نعني بالحديث الصحيح ؟ هل يعني ان الإمام الألباني أو الذهبي روياه؟ لا، فهذا يسمى "تخريج الأحاديث"، فالألباني يمكن أن يروى حديثا و يحكم عليه بأنه موضوع أو ضعيف، فالاعتبار هو بما يسمى "بتحقيق الأحاديث" و هو البحث في رواتها. و العبث بذلك حيلة قديمة لا تنطلي إلا على من لا يفهم شيئا في "الجرح و التعديل".

اختلاق النص كارثة، و الحكم على أساسه كارثة أكبر. فالكاتب يقول ((إي أن الزوجة تصبح كالجارية لزوجها كيف لا وهي لا تدخل الجنة الا برضاه ولا تدخل النار الا بسخطه!)).
ما بنى على باطل ليس الا باطلا، فالحديث غير صحيح، وبالتالي الحكم بان الزوجة جارية غير صحيح ايضا. لكن المشكلة في القول ((كيف لا وهي لا تدخل الجنة إلا برضاه ولا تدخل النار الا بسخطه)) و في ذلك أمران:

الامر الأول هو أن الجزء الأول بني على حديث ضعيف هو " أيما امرأة ماتت و زوجها عنها راض دخلت الجنة" هذا الحديث ذكر في ضعيف سنن ابن ماجة و هو حديث "منكر" بحسب الإمام الألباني (سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة- المجلد الثالث)

اما الاستدلال بحديث (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل) و هو بحسب الألباني ضعيف لكن الشطر الأول منه صحيح. و سأسلم بصحة الشطر الأول رغم ان كون جزء من الحديث ضعيفا يثير الشكوك حول بقيته. السجود في هذا الحديث – و هو أمر غير متحقق لوجود "لو" - رمز للطاعة و هو أمر لا يختلف عليه اثنان، المرأة مأمورة بطاعة الزوج ما لم يجاف الحق، و هو مأمور أيضا بحسن معاملتها كما كان الرسول صلى الله عليه و سلم يعامل زوجاته. و لا دخل بدخول الجنة او النار في الأمر.فالحياة الزوجية أساسها الإرضاء المتبادل، فكملة "بين" في الآية الكريمة " وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً " (الروم:21) تدل على ان الرحمة و المودة و الإرضاء حق للطرفين. و الاعتقاد بان على المرأة إرضاء الزوج مع التغاضي عن العكس لا يخدم سوى "اللاشعور الجمعي" باحتقار المرأة المستورد من أيام الجاهلية. و تفسير الحديث بالقول على انه ينطبق على المرأة فقط يعني اننا نفس المنطق يمكن ان أننا نفسر (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب:23) نفسرها تفسيرا مجتزءا استنسابيا و نقول ان الشهيدة لا تكون بمرتبة الشهيد لان الله تعالى ذكر كلمة "رجال". استنساب مؤلم و مؤسف. اليس كذلك؟


اما الأمر الثاني هو ان الجزء الثاني من الحديث الضعيف فيه تقّول على نص الحديث، فالكاتب يقول أن(( المرأة لا تدخل النار إلا بسخط زوجها))ا. يا للهول ! أي إذا كان هنالك امرأة سيئة دينيا لكنها أرضت زوجها فلن تدخل النار لان "سي السيد" اغدق بركاته رضاه؟ استدلال غير صحيح البتة. الجنة مفاتيحها بيد خالقها، يدخلها من يأتمر بامره. أما ارضاء الزوج لزوجته و ارضاء الزوجة لزوجها فمن مفاتيحها و ليس المفتاح الوحيد. أما النار فيدخلها من استحق دخولها و لو رضي عنه الخلق كلهم جنهم و انسهم.
الحق لا ينتصر إلا إذا ظهرت الحقيقة، اما الاختلاق فأبو البلاء. " اعدلوا هو أقرب للتقوى" المائدة، اية 8.
....................

- كتب هذا المقال ردا على الكاتب محمد المليفي في مقاله: بول أميركا في العراق .. ونعال الزوجة المشهورة .. ومصدر الفتنة - جريدة السياسة، الإربعاء 8 أكتوبر 2003:
http://www.al-seyassah.com/alseyassah/opinion/view.asp?msgID=1550

- تم نشر الرد في جريدة السياسة، يوم الجمعة 10 أكتوبر 2003 ، صفحة 5. لقراءة الرد من موقع الجريدة:
http://www.al-seyassah.com/alseyassah/10_10_2003/05.pdf