(وقت القراءة: 1 دقيقة)

الصورة البانورامية لانتخابات "الجمهورية الثانية" في لبنان ما بعد تحرير 
جنوبه الذي ارهقه مسيره، تحكي و ترسم الكثير من المعطيات التي -عند عقلنتها - 
لا تخبر عن ان لبنان يطالع تغيرا في ميزان القوى و الخطاب السياسي و حسب، بل 
ان لبنان رغم ما الم ّ به و آلمه كان ,كائن و سيكون .
غلف الانتخابات هاجس التيئيس و الاحباط حتى قبل ان تبدأ ; قانون انتخاب 
استنسابـي يعتمد على دوائر كبيرة الحجم نسبيا و معطيات طائفية لطالما حضرت في 
انتخابات سابقة الا ان كثافة الاقتراع و قلة الخروقات في معظم اللوائح قللت 
من وطأة الامر.
من المعطيات الملفتة العدد الضئيل للمقاعد النسائية . فرغم ان المرأة 
اللبنانية حضرت تصويتا، وترشيحا بصورة اكثر خجلا، و كعضوة في "الماكينات 
الانتخابية " ، الا ان الندوة البرلمانية ستظل "بيترياركية " ذكورية و لن ترى 
سوى ثلاث نساء : نائلة معوض حرم الرئيس السابق رينية معوض ، بهية الحريري 
شقيقة الرئيس رفيق الحريري ، و غنوة جلول التى تفوقت على رئيس الوزراء سليم 
الحص و حلت اولى في دائرتها .فوز الشباب كان ايضا جاذبا ابتداءا ب اميل لحود 
الابن و انتهاءا ببيار امين الجميل , و رغم ان كليهما قدم من عائلات سياسية 
لكن ليس لكرسي الرئاسة بل لمقعد منتخب.
المعارك التكتيكية برزت باستعار في نظام " كوتا " انتخابي يعد الاكثر تعقيدا 
في العالم ، مما افضى الى معارك "تشطيب " بين الحلفاء و "لوائح ملغومة " بين 
الفرقاء .
في ظل التحالفات التى لم يشهد لبنان لها نظير ابقى الارمن على "غيتو" برج 
حمود كما ابقوا على انقسامهم بين "الطاشناق " و "الرانغافار " و "الهانشاك " 
مما اضعف دورهم بعكس الدروز الذين تعزز موقفهم عندما اجاد وليد جنبلاط - و 
بحذاقته المعهودة - صنع التحالفات فأزف هبوب رياح التغيير التي اظهرت في عين 
العاصفة كيف يصنع القرار اللبناني لا كيف يغيب و كيف تكون المحاسبة و 
المعاقبة .
خروج الحص -الذي ولدت حكومات لبنانية عدة على يده- و تمام سلام يحُـصر خيار 
رئاسة الجمهورية بين رفيق الحريري- المتمتع بكتلة نيابية داعمة- و بين نجيب 
ميقاتي ،في ظل دعاوى عن استعمال "المال السياسي " و نزاع مبطن عالى اللهجة 
احيانا بين الرئيس اميل لحود المحب للاضواء شانه شأن رفيق الحريري .بيد ان 
للندوة البرلمانية كلمة ،و قرار الرئيس لحود باختيار رئيس وزراء لن يكون 
استفراديا ،فلحود كما عهدناه احكم و اوعى ممن ان يفعل ذلك خاصة ان المادة 35 
من الدستور اللبناني تقول "يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور 
مع رئيس مجلس النواب استنادا إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميا على 
نتائجها".و يبدو ان رئاسة نبية بـرى - المناصر للحريري في التوتر القادم على 
ما يبدو- لمجلس النواب باتت محسومة . 

و بغض النظر عن رئاسة الوزراء فان ماهية تشكيل الحكومة القادمة على المحك . 
فهل ستكون تكنوقراطية فاعلة ملبية لرياح التغييرام انها ستلبى الحاجات 
الطائفية على حساب المصداقية والحاجة الملحة للجرأة ؟ .
و بين هذا و ذاك يظل زهاء ال 30الف جندى سوري في الاراضي اللبنانية ، كان 
مقدمهم متعلقا بالحرب الاهلية وصون السلم في المنطقة الذي يبدو اكثر استقرار 
مع تحرر الجنوب و تكرس الحريات و الديموقراطية الجسورة . وبطبيعة الحال لابد 
من "علاقة ما " مع سوريا ذات الدور المفصلي في الدفاع عن قلب المنطقة و 
خاصرتها ، بيد ان على هذة العلاقة ان تكون متوازنة و محترمة للسيادتين. 
و هذا يدفع بمسالة "رواسب الحرب" الى السطح . فلابد من حل ناجع لقضية 
المهاجرين و "المهجرّين " ابتداءا من امين الجميل العائد و انتهاءا بالعماد 
ميشال عون. فالتغاضي عن الامر لا يزيده الا سوءا ، طالما انه ليس من العيب ان 
يراجع الماضي بل العيب ان يتم "التلصص" على الذاكرة خوفا من ان يوضع الملح 
على الجرح الذي يرى الجميع انه التئـم منذ حين، متناسين خطر ان تذهب التجربة 
هباء . 
بعد ان عادت الديموقراطية الحرة بحلتها القشيبة الى الجمهورية الثانية ، كان 
لا بد من تأسيس ابرز مقوماتها : الشفافية و المحاسبة خاصة و ان النـزاهة 
صاحبت العملية الانتخابية عدا عن بعض التجاوزات- مثل نقص البطاقات الانتخابية 
و اخطاء في لوائح الشطب - بالاضافة الى حرب اعلامية مستعرة نسبت الى "الأشباح 
" الإعلامية او حتى المالية تارة -و الى " طيش الانتخابات الاعلامي " بين 
المرشحين تارة اخرى.
الخطابات المفلسة لن تعيد العافية للبنان الذي يروم برلمانا على قدر الثقة و 
حكومة تملك الجرأة في ان توقف نزيف الهجرة و تعيد الاستثمار الهارب. لبنان 
بروحة الجديدة بكل عافييته لا تكلسه ضرب موعدا مع تغيير جذري و اعادة صناعة 
نظام لا يضرب الفقر المدقع و قلة الحيلة و حسب بل كل ما من شأنه ان يغيب قرار 
اللبناني او رغباته

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9778 ، بتاريخ 08-09-2000