(وقت القراءة: 1 دقيقة)
الرسائل الملغومة المشئومة الذي بعثت إلى "السياسة" و جهات تعبيرية أخرى ليس نشازًا عن الحالة المكلومة للمنطقة و الذي تزداد تفاقمًا يومًا بعد يوم بوتيرة مفزعة. أسئلة ثلاثة تفرض نفسها:

1- لماذا هذا النوع من الأفعال؟
2-لماذا تكاثر كالفطر البري في الفترة الأخيرة؟
3- وكيف نتعامل معه؟ 1- من العقل إلى الفعل
العنف عملية عقلية فكرية بالدرجة الأولى يتبعها فعل عملي إجرامي تجاه فكر لم تتمكن هذه العقليات من دحضه. إنها أصوات لا تجرؤ أن تتكلم لأن لا منطق لها أو حجة فتستعيض عن ذلك بمواراة من يخالفها: إنها أصوات تختار الطريق المختصر وإن خالف الدين والإنسانية.
الشخص العنيف شخص استحواذي إقصائي، تراه موتورًا إذا ظهر من يخالفه الرأي. انظر حولك جيدًا لربما أبصرت أحدهم، راقبه جيدًا وستنقلب على ظهرك ضاحكًا من نمطيته المفجعة: راقبه يمسك بجهاز التحكم عن بعد ومعدل تنفسه يزداد فيغير القنوات مقصيًا كل رأي "لا يعجبه" ليس لأن هذا الرأي المعروض على الشاشة تافه أو غير منطقي، بل لأنه لا يتفق معه، فيقوم بشطبه وإقصائه عوض أن ينقد هذا الرأي الآخر أو يجيّر الشك لصالحه. و إذا سألته عن سبب تقلبه في القنوات صب جام غصبه عليك قائلًا: "فلان ينرفزني". وإذا سألته:" لِمَ" أجابك: " إنه يفقدني صوابي" دون أن يعلل لك أو يبين الأسباب. أجل "فلان" يفقده صوابه لأن لفلان منطقًا و حجة، بينما هو لا، وعوضًا من أن يطور نفسه لمقارعة "فلان" الحجة، يستخدم العصا السحرية الفجة لإخفاء فلان من أمام ناظريه، فهذا الحل أسهل وأسرع.
هذا الشخص مزعج، لكن الأكثر إزعاجًا من ذلك هو عندما يتواجد هذا الشخص في ثقافة مجتمعية أو بين مجموعة تماثله، عندها تتعزز ثقته بمبدئه النبذي و تتضافر جهوده مع المجموعة لشطب من لا يهوون. المشكلة أن الشطب كثيرًا ما يتعدى تغيير القنوات، إلى تعجيل الممات!
- الفطر البري يتكاثر في العتمة
الأجواء المعتمة والرطبة هي ما يحث الفطر البري على التكاثر، وبعض منه سام. الملفت أن الأجواء ذاتها هي ما ينتج ويفرخ الشخص العنيف فكرًا و عملًا. الثابت في الأمر أن الفطر لا ينبت وحده فلا بد له من نواة حية و بيئة حاضنة وكلا الشرطين ضروري لنموه. الشخص العنيف ينشأ طفلًا في "نواة" قامعة على المستوى الأسري، المدرسي، والاجتماعي. و ما فائدة الحرية السياسية – إن وجدت- و البيئة المجتمعية قامعة مانعة مسفهة. هنا، متى ما وجد هذا الشخص في بيئة مجتمعية "معتمة" برز وانتشر شأنه شأن الفطر السام!
نور التعامل لا ظلمة التعامي
لا أحد على مستوى التاريخ البشري في أي بقعة من العالم لم يعايش في فترة ما من الأجواء المعتمة، لكن نسبة معينة فقط هي ما تتحول لفطر سام. إنها النواة الأصلية للتكوين، إنها النشأة لمجتمعية العامة. كل مقموع قامع مستقبلًا بالضرورة متى ما توفرت البيئة المعتمة.
ما الحل العملي إذًا؟ نتعامى عن الأمر حتى يزول بنفسه؟ محال! أم نجتث الفطر من بقاع نموه؟ محال أن يكون هذا هو الحل الناجع أيضًا، فاجتثاث الفطر البري لن يوقف نموه بل سيعززه، فهو كتقليب التربة له، وفي الاجتثاث كثيرًا ما نفقد فطرًا مفيدًا طيبًا صالحًا للأكل وهذه خطيئة فادحة. فقليل من ضوء الشمس مفيد! ألم يقولوا إن العلم نور، أليست المعرفة قوة. أليس المؤمن القوي خيرًا وأحب الى الله من المؤمن الضعيف كما قال المجتبى صلى الله عليه وسلم، و القوة هنا قوة الفكر والتناقش والثقة وليست القوة الجسدية وحسب.
التعامل مع الفطر السام لا يتم باجتثاثه ولا بالتعامي عنه. إيصال "النور" إلى "نواته" كافٍ جدًّا ، وتعليم "المستهلك" وبناء عقليته النقدية ليختار أي نوع من الفطر يشترى أساس لا غنى عنه، والنتيجة: زرع شديد الإثمار، ( يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) وسيؤتى أُكُله بإذن ربه (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ).

نشرت في جريدة السياسة، الأحد 21 ديسمبر 2003
http://www.alseyassah.com/alseyassah/opinion/view.asp?msgID=2135