(وقت القراءة: 1 دقيقة)

حديثي قد يزعج المتفلتين و"المتڤلنتين" (نسبة إلى ڤالنتاين)، وقد يؤجج  بعض -أو كثيرا من- الآخرين، وسيزعج طبعا أساطين المتاجرة بالزهور ومَحَادلهم* التجارية. لكني ومن جانب آخر متأكدة أنه يعجب الحق والعدل والعقل، ويعجب النحل، والأهم من ذلك، يعجب الزهور نفسها!

أرجوكم، لا تهدوني زهورا! أعلم أنكم قد تندهشون وقد عهدتم في النساء حب الزهور، وإني لا أنكر ذلك. أحب الزهور، بل أعشقها شريطة أن تكون في تربتها، فإكرام الزهرة دفن جذورها وإبقاء أوصالها مستدفئة في بيئتها الأصلية. أمّا اقتلاعها وانتزاعها فليس من الإنسانية في شيء، بل هو الأنانية بعينها. أنقتل الزهور لنبتهج؟ أهكذا نحن معشر البشر؟ أيسركم أن تقول الزهور عنا أنّا قساة، عتاة، جبارون في الأرض؟ ألهذا استخلفنا الله؟ ألهذا حمّلنا الأمانة؟ ظلومٌ جهولٌ أيها الإنسان، ظلوم جهول أنت.


وقتلة الزهور هؤلاء ليسوا جددا على تاريخ العالم. فنزعات الإنسان التخريبية قديمة قدم حقد قابيل على أخيه هابيل، لكني لم أتصور أن هناك من المجرمين من يجيد تغليف وتزويق جثة قتيله، ويقلب المأتم إلى عرس، والمَغْرَم إلى غرام. والأسوأ أنهم يجعلون الزهور القتيلة من المتطلبات المسبقة للتعبير عن المشاعر. ولا أراها تعبر عن شيء سوى عن نزعة حاقدة مخرّبة.


قد يكونون تجارًا، أو أغرارًا غرتهم قوالب كالحة يجترها المجتمع وغرّهم بالله الغَرور. لا يهم من هم، فبضاعتهم مصيرها إلى كساد أن لم نتلقفها تلقفا حسنا، لكنْ آه، ما أحسن مقدرتنا على التلقف!


لوعدنا لفطرتنا السليمة لعرفنا كم أن الأمر مقبوح. فلو حاول طفلك قطف زهرة ليصلبها في مزهرية، أما كنت ستنهره حتى لو كانت في حديقة مملوكة لك؟  لم لا تنهر نفسك إذن حين تسهم في إزهاق أرواح تلكم الزهرات؟ أعدمت الإبداع أم استسهلت "الوضع القائم" الذي ألفيت عليه المجتمع أيها الإنسان؟


أوتعلمون؟ حسنًا يفعل أولئك الذين يضعون الزهور على أضرحة الموتى، فلربما كانوا يظنون أن الزهور التي تحتضر قادرة على مؤانسة الميت أو إيصال رسالة له فهي على شفير الموت واللحاق بعالم الموتى الذي هو فيه. قد أقبل هذه، لكن لا أقبل أن يدعي أحدهم الوصل عن طريق القتل.
حين كان الشاعر أمل دنقل على فراش الموت، يفيق تارة ويغفو تارة، كتب كلمات خالدة:


"تتحدث لي
كيف جاءت إلي
وأحزانها الملكية ترفع أعناقها الخضر
كي تتمنى لي العمر
و هي تجود بأنفاسها الآخرة"


"كل باقةْ
بين إغماءة وإفاقةْ
تتنفس مثلي بالكاد ثانيةً، ثانيةْ
وعلى صدرها حملت راضيةْ
اسم قاتلها في بطاقةْ!"



"هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِه". شكرا لكم أحبتي، لكن من اليوم فصاعدا لا تهدوني زهورا، فأنا أحبها!

_________________________

* محادل: مفردها محدلة وهي السيارة التي ترصص بها الطرق، وتسمى خطأ بالعامية بالمدحلة.

** مناسبة المقالة هي اقتراب يوم ميلادي وما قد يصلني فيه من زهور، أرجو ألا يظن أحد أني كتبتها لأني أتلقى زهورا من أحد لا سمح الله بمناسبة الفلتان الفالنتياني الذي يطل برأسه في منتصف هذا الشهر!