(وقت القراءة: 1 دقيقة)
هل يمكن للجرائم أن تكتسي بصبغة مناطقية؟
نعم الجرائم اللغوية واللهجية منها تحديدا تفعل كذلك عادة!

الحياء والخجل مفهومان ملتبسان في كثير من الدول العربية وخاصة لدينا في منطقة الخليج. فكثير منا يرى أن الحياء يعني الخجل عندما نقول "فلان يستحي"، وما أنأى وأرفع الأول عن الثاني. وبهذا اللبس نصفع الحياء لغويا دون أن ندري، ويا لها من جريمة. الخجل أو "الكسوف" (وهو تعبير جميل يحل الكثير من الالتباسات يستخدمه أخواننا المصريون) حالة عاطفية انفعالية مرتكزها عبارتا "أنا أعجز" و"أنا لا أقدر"، أما الحياء فحالة إدراكية وإطار عقلي مرتكزهما عبارتا "أنا أترفّع عن" و "أنا أستنكف من"، فهناك فرق بين من يحجم عن أمر عجزا ومن يحجم عنه ترفعا.

الحياء حالة لا يصلها المرء دون فهم عميق يتحوّل إلى تنفيذ عملي، إنها حالة يشفق فيها أحدنا على نفسه من أن تأتي أمرا يهينها، بالتالي هي حالة تأتي نتيجة إدراك معرفي، وهي حتما حالة تمكُّن وليس حالة عجز أو ارتجاف. هنا، يظهر لنا أن الخجل مرض نفسي يستدعي التدخل العلاجي، أما الحياء فغيابه مشكلة تستدعي التدخل التربوي.

وبالمثال يتضح المقال؛ فالخجول يعجز عن مواجهة الجمهور، بينما الحيي لا يجد مشكلة في ذلك، لكنه يواجه الجمهور محمّلا ليس بهم المواجهة إنما بهم ما سيقدمه لهذا الجمهور وقيمته. ولذلك لا غرابة أن نجد إنسانا حييا وجريئا معا في آن، فلا تناقض بين الأمرين، بل اجتماعهما مثرٍ حقا. هل في أنفسكم شك مما أقول؟ ألم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم "أكثر حياء من العذراء في خدرها"؟ لكن، ألم يكن هو أشجع الرجال حين هزم ركانة بن يزيد الذي لم يقدر عليه أحد من قبل. ألم يكن صلوات ربي وسلامه عليه خطيبا مفوّها يخطف الأسماع والأبصار والعقول. هكذا كان صلى الله عليه وسلم، صاحب مقدرة على مواجهة الجمهور والتعاطي مع مواقف الحياة بصدر رحب، وبطلاقة تعبيرية، ويتسلح في هذه المواقف بالحياء الذي يتسامق به عن الدنايا. أما الخجل الممجوج والضعف، فلا مكان له في حياة أي شخص يؤمن أنه خليفة الله على الأرض.

ما رأيكم أن نذهب إلى بعد أعمق قليلا؟ الخجل -ولنكن صرحاء- مثل الغَيْرة!
الخجل نوع انسحابي من أنوع الخوف وتضعضع الثقة بالنفس؛ فالخجول يخاف، لكن الحيي في المقابل يقلق حاملا هم الرسالة وتوابعها. نعم الحيي قلوق لكن ليس خائفا ولا يساوره الشك في مقدراته.
وكما أن الخجول خائف، كذلك الغيران خائف أيضا ويحس بالنقص. الفارق أن الخجول يرى ضعفه فيشعر بالخوف والرغبة في الانسحاب أما الغيران فيري ضعفه ونقصه أمام محاسن غيره فيحس بالسخط والرغبة في التدمير. فالمصدر واحد وردة الفعل مختلفة في الاتجاه وفي نوع العاطفة (الغضب مقابل الانسحاب).


الآن، ألا نستحيي مما نفعله بهذه الكلمة التي هي شعبة من شعب الإيمان؟
"إنما الخلق بالتخلق" كما يقال، فلنتخلق بالحياء ولنفعل شيئا لإنصاف هذه الكلمة، فهذه الصفعة اللغوية تحتاج منا أن نفتح صفحة لغوية وإدراكية وعملية جديدة. فهلا فعلنا؟