(وقت القراءة: 1 دقيقة)
ردا على الأخ حافظ سيف فاضل(2):

يبدو أن الأخ حافظ سيف فاضل يستعجل الأمور. و لكن لا ضير أن أرد بصورة موجزة على القضايا الهامة التي تفضل بذكرها دون أن "احرق" الميزة التنافسية لكتابي القادم بإذن الله تعالى. لكني و من باب العدالة أنتظر رده على الموضوع الأساسي الذي فتح النقاش: الحجاب، و سأحسن النية حتى مقاله القادم، و لن أتهمه بالتهرب من الرد لأنه لا يملكه كما فعل هو معي و أتهمني. لكن و قبل البدء، عليه أن يعذرني، لأني سأضطر إلى "لصق" النصوص الدينية و هو أمر لا يروق له لأنه "يفقد الكثير من العقل و الحجج" و هو دلالة "ضعف" كما قال في مقالته السابقة، لهذا فالأخ فاضل لا يحبذ " لصق اية الهية فوق العقل". لست أدري حقيقة إن كان نقاشنا سيجدي نفعا و نحن نقف على أرضيات مختلفة. فالأخ فاضل يعتقد أن العقل فوق النص الإلهي، في حين أني أعتقد أن غياب النص يعني غياب المرجعية، و العقل يعمل في تفسير النص ( طالما ان النص صحيح و قطعي الدلالة معا) و ليس له الحق في محاكمته و اقتراح البدائل على الله تعالى أو الطلب منه أن يعدل شريعته و أمره حتى يكون أكثر تسامحا و أتساعا و اشتراكا. فما هو متسامح عند سين، غاية في التعصب عند صاد. و من حكمة الله و عدله أن النصوص الدينية غير التعبدية جاءت عامة في أغلبها، أما الباقي ف" أنتم أعلم بأمر دنياكم" كما قال المصطفي صلى الله عليه و سلم.

الأخ فاضل يتساءل: "ما الغرض من ان تتحجب قسم من نساء العالم وبقية نساء الارض وهن الاغلب، لا ورود للحجاب في اذاهانهن".
طبعا النصوص الدينية ملزِمة لمعتنقيها مُـعـلِـمة لغيرهم. و الحجاب ملزم للمسلمات لأنه أمر تعبدي حقه الطاعة و ليس ملزما لغيرهن. و تعميد الطفل ملزم للمسيحيين و غير ملزم لغيرهم، و الوصول لمرحلة ال"نيرفانا" هم أساسي للبوذيين، و تطويل الشعر و الشاربين و اللحية و لفها في عمامة من لب المعتقدات السيخية. فهل يعقل ان يأتي واحدنا و يطلب من السيخي التوقف عن فعل ذلك حتى يكون دينه مطاطا متسامحا "قليل الشكليات و التفاصيل" ممسوخا حتى الانمحاء و الانمحاق فنتقبله. سيصرخ فينا: " و ما شأنكم، ديني يأمرني بذلك. لم ألزمكم ان تفعلوا مثلي. لكن اذا احببتم اعتناق السيخية، فانا أسف عليكم فعل ذلك" الدين خيار حر لكنه صعب.

يبدو أن الاخ فاضل في هذه اللجة نسي ان يناقش موضوع سلسلة "ما ورائيات الحجاب" فهو أتهمني في مقالته الأولي ب "بلصق الايات وبتر التاريخ والزمن والغاء عامل الانسان التطوري والمترقي، واغفال رأي الجانب الاخر المجتهد المتنور في هذا الموضوع" و لم يكلف نفسه عناء تبيان الرأي "المتنور" بل أكتفي بإحالتي الى أسماء بعض المفكرين دون أن يورد جملة واحدة من آرائهم. الاخ فاضل أنتقد دون أن يقدم البديل و هذا مصاب جلل في النقاش.لقد اكتفى بلفت النظر لأمور مهمة، لكنها ليست جوهر مقالاتي حول الحجاب. فهل حار الأخ فاضل جوابا، فقز الى أمور اخرى حتى يظهر بمظهر المنتصر؟ كيف يتهم الحجاب بانه "حلقة في سلسلة" القمع ثم يتوقع منا ان نسلم بكلامه كأنه مسلّمة حسابية دون أن يبرره هو لنا؟ ما زلت أنا و القراء ننتظر إجابته المفصلة على اجتهادي. فما كتبت صواب يحتمل الخطأ، و من جاء بأحسن مما اجتهدت به فأهلا و سهلا، و شكرا أيضا. أما إذا كان الأخ فاضل و بحسب كلماته " غير متخصص ولا يحمل شهادة تؤهلنه لهذا اللصق والتأويل (والتأويل بشري) " فلم قام بالتصدي لانتقاد الاجتهادات. كل ميسر لما خلق له.

"النص الديني" ملزم لابنائه، لكن "حكم النص" Nomocracy يحتاج الى تفسير و تبيان، حتى و أن كان النص إلهيا. كلنا نتفق على هذا. و المعيار في تفسير النص ليس ان يكون" بتقليل تفاصيله و شكلياته" كما اقتراح الأخ فاضل إنما بتفسيره بشروط هي:

1- تفسير في ضوء جمع غيره من النصوص الدينية الصحيحة أو ما يسمى ب"جمع النصوص"
2- و في ضوء المنطق العقلي الاستنباطي و القياسي ( قياس حالة على حالة)
3- و معرفة أسباب النزول و أحوال الزمان و المكان و الأشخاص ( أي البيئة)

أما التفسير العواهني المزاجي فهو ما يستخدمه من يقصقصون المصحف كي يحقروا المرأة لان بيئتهم الاجتماعية تملي عليهم ذلك. لكن مجافاة النصوص الدينية و ضربها بعرض الحائط و القول بان "الاوضاع السيئة للمرأة موجودة في النصوص الشرعية" الإلهية المعصومة كما يقترح الأخ فاضل أمر أسوأ. فهو يعني ان نترك الأمر على عواهنه، يفسره كل وفق ذوقه وعلى ليلاه. فغياب النص كما أسلفت يعني غياب المرجعية، و غياب نص ديني حول اللباس يعني أنه يمكن لأحد ان يقول لنا و يفحمنا: بما أن العصر تطور و اخترعت وسائل حديثة للتبريد و التدفئة لم لا نسير عراة دون ثياب، هذا يقرب بين الأمم، فلا نتمايز باشكالنا. فالثياب وسيلة ابليسية للتمييز بين الغني و الفقير. و اكبر دليل على أن ارادة الله هي ان نكون عراة هو اننا نولد مجردين من الثياب. و على الدولة ان تسن قوانين بمنع بيع الثياب و ارتدائها لانها تكرس الفرقة الطبقية !!! أ رايتم كم هو خطر أن نجافي النص الديني و نعتمد على التفسير العقلي المجرد من الدعم الإلهي.

"مقصقصو المصاحف" استخدموا نصوص الإسرائيليات ليلوموا أمنا حواء على إخراج أبينا آدم من الجنة و غضوا الطرف عن قوله تعالى "فأكلا منها" (طه 121) ، فهل نفسر عملهم انه عمل تسامحي تقريبي بين بني البشر؟ بل هو العبث بعينه. و كذلك يفعل " مجافو المصاحف" لانهم يتركون الحبل على الغارب، كل يشده أو يرخيه حسب مزاجه لان لا نص يفصل في الأمر. احساسي يقول أن الأخ فاضل سيقفز و يتهمني بتقسيم البشر إلى فئات، رغم أن تقسيمي وصفي بحثي و ليس احتقاريا تكبريا.


يقول الأخ فاضل ((وهكذا لن نصل الى نتيجة اذا ما حملنا المسلمين دوما سبب الفشل، على المشرع ان يجعل مساحة حرة مرنة تستوعب المتغيرات ومدى كاف لسوء التطبيق، لا.. ان يصاب بانتكاسة وحمى كلما شاهد الشباب "فيديو كليب" او ينهار اذا الفتيات ارتأين العصرية في الملبس والانوثة حسب طبيعتها الغريزية الجمالية... )) بل المسلمون سبب الفشل و سوء الفهم، و ليس التشريع الإلهي، فالمتغيرات فيه معتبرة، و المرونة موفورة، حسب الشروط السابق ذكرها، اما العواهنية العائمةالنسبية، فكارثية النتائج، فما هو من ضمن "الانوثة حسب طبيعتها الغريزية الجمالية" عند سين قد يكون معاكسا تماما عند صاد. فمن يفصل في هذة الأمور القيمية النسبية غير نص منزل من بارئ البشر.

الآن، انتقل الرد على المسائل التي تفضل الأخ فاضل بطرحها، رغم أني لست ملزمة بذلك من باب المعاملة بالمثل، فهو لم يلب طلبي و لم يقم ب "حل الواجب" و الرد على حججي بل اكتفى بالتهرب و احالتي الى اسماء مفكرين دون ان يكلف نفسه و لو عناء النقل. على أي حال ساقوم بالرد علي المسائل بايجاز لافادة القارئ و لدفع تهمتي التهرب و الاستهانة التي اتهمني بهما الأخ فاضل:


أولا: عودة الى تفسير دعوى نقصان العقل:

الأخ فاضل يدعو لتجنب التفاصيل، لكني عندما اختصرت أساء هو الفهم ( ارأيتم أهمية التفاصيل).
فالآية القرآنية، انطبقت على عصر محدد حيث كانت النسوة لا تمارسن التجارة البتة، فالتجارة تنطوى على سفر مؤكد في ذاك العصر،و المرأة لا تسافر دون محرم اذا عدم شرط الأمان، و بما أن الشرط توفر ( و تفصيل ذلك في الجزء السابع من هذه المقالة) يعني أن النسوة أخذن يمارسن التجارة،و بالتالي لديهن معرفة فيها.

أما حول موضوع النسيان، فالأمر ليس متعلقا بالمقدرة العقلية و الذكاءcaliber و لا العقل ( أي انعدام الجنون) sanity بل متعلق بعدم الممارسة و عدم الاهتمام بالموضوع برمته لانهن لا يمارسن التجارة ( لمسببات موضوعية) فلا يهتممن بأمرها و لا يتحادثن فيها، فلا يملكن المعرفة حول تفاصيل عقودها و تقنياته.

و دخولا في التفاصيل التي لا يحبها الأخ فاضل على أهميتها، فكلمة "اكتبوه" لا تعني اكتبوه على ورقة و وقعوا عليه كما الحال في أيامنا هذه، و إلا ما الحاجة المنطقية لوجود شهود. بل الأمر يتضمن عقدا شفاهيا يذكر فيه الطرف الأول و الطرف الثاني في العقد و ماهية التعامل المالي و تفصيله و بيانه. و الفعلين "كتب" و "قرأ" في القرآن أي وثق، و في عصر الرسول صلى الله عليه و سلم كان الثوثيق من طبيعة العصر شفاهيا إلى ان تغير الوضع. و الدليل اننا نقول لشخص اقرأ الآية كذا،و يقرأها عن ظهر قلب، فهو يقرأها من ذاكرته السمعية، لا الذاكرة البصرية ، و عندما نزل جبريل عليه السلام، لم يمسك بورقة أو صحيفة و يطلب من الرسول أن يقرأ، بل طلب منه ان يقرأ من ورائه، أي يقول و يردد. و بالتالي، أمر العقد الشفاهي هذا فيه تفاصيل تقنية كثيرة في ظل أوضاع لم يكن النسوة لهن علاقة أصلا بامور التجارة أو أحاديثها. اما الرجال تجارا كانوا او غير تجار يفهمون الأمر بصورة أكبر سواء عن طريق الممارسة أو الحديث في الموضوع في التجمعات الاجتماعية و الإلمام ببعض ابجديات العقود و التداين.

ثم ان هذا ليس حكما مبرما بان هؤلاء النسوة في ذاك العصر سينسين من كل بد. بل اجراء احترازي تحت يافطة ماذا لو، والدليل " أن تضل احداهما فتذكر أحداهما الأخرى" فوجود "ان" الشرطية يعني معنى الاحتمالية الاحترازية لان الواقع حتم ان النساء لا يينشعلن و لا يتحادثن في أمور التجارة و الديون في الغالب الأعم، فهل نأكل مال أحد بسبب الوضع القائم. بل نحتاط منه الى ان يقضى الله تغييره. و هو الحاصل اليوم. و بالتالي الإية لها سياق معين، و هو لا يتأتي الا بما سبق و كررت جمع النصوص و فهم دلالاتها في بيئتها. فنحكم على النص الفلاني انه مرتبط بعصر ما، ليس لان وجهة نظرنا تقول ذلك، بل لان السياق و النصوص المتعلقة يخبرنا بل و تجبرنا على فهم ذلك،و الا لاصبح الامر فوضى كما في المثال الذي ذكرته في أول مقالتي.

أما قول الاخ فاضل أن "النبي (ص) قد قد اخاف النسوة في بداية الحديث ليتصدقن فهو يرى اكثرهن في النار" يا معشر النساء تصدقن فأني اريتكن اكثر اهل النار" فالانتقائية التي تعمدت "محاورتي" الابتهاج والفرح بها ان النبي (ص) لم يخيفهن من اجل ان يتصدقن بتحولهن "فحم محترق في النار" قد سبقت وبلغت المرام))
فمردود عليه، فذكر " فإني أريتكن أكثر أهل النار" يختلف تماما عن الاسلوب الترهيبي الشخصي " ستتحولن الى فحم محترق ان لم تتصدقن" فهي عبارة وصفية عامة، تقول ان النساء ( و التعدادات السكانية في أغلبها على اختلاف الأمم يفوق فيها عدد النساء الرجال) أنهن أكثر أهل النار، و لم يتوجه اليهن بشخصهن بل بجنسهن منعا لظن الأهانة، فهو لا يقصدها، بل يقصد لفت النظر، فيشوقهن لمعرفة السبب، فيقترح عندها نوعين من الذنوب الشائعة لدى النساء بصفة عمومية ( و هناك بعض الذنوب الخاصة بالرجال أيضا بصفة عمومية) و يقترح عندها عندها عليهن التصدق، و التشويق التلطفي مختلف عن التخويف الارعابي.

أما حول النسيان، فالنسيان المقصود ليس نسيانا لنقص عقلي، بل نسيان لقلة المعرفة كما سبق و فصلت. فهو يمازحهن بصفة ليست خطيرة ( قلة معرفة بسبب عدم الممارسة) و يظهرها على أنها كبيرة و خطيرة تشويقا و تلطفا و مزحا و لفتا للنظر ليقترح التصدق. فهو اسلوبي ترغيبي مزحي تلطفي، عمومي غير شخصي محمود. فهل لو رفض أحدهم مدرسا في الجامعة مثلا لانه لا يحمل شهادة الدكتوراة فسرنا ذلك بانه انتقاص مع عقله و كرامته؟ أنها المعرفة، و ليس فقط المعلومات. و كما ذكرت في تفسيري للأية، الأمر احترازي لا وصمي تعميمي أبدي.

يقول الأخ فاضل (مثال الطفل لم يكن موفقا فالطفل والطفلة متساويان كون انهما قصر وحديثنا عن الراشدين من الجنسين والمساواة بينهما) المثال ليس مشابهة للاطفال بالنساء أو وصما لنفسي و بنات جنسي بنقص الرشد ، ، بل هو مثال عام مقارناتي و ليس تشبيهيا Comparison not Analogy و كل منهما له جوانب اختلاف و افتراق مع الآخر. كلاهما لا "معرفة" له في الأمر ( كل حسب سبب أو اسباب معينة) و بالتالي احتمال الخطأ و النسيان وادر جدا. و هو مضاعف في حالة الطفل لانه غير راشد. وهنا مزيد من الأمثلة على أشخاص راشدين، ففي قضايا الطب يشهد الاطباء، فهل يأتينا حلاق القرية ليتظلم و يقول اننا ننتقص من شأنه و انسانيته؟ و بالمناسبة، رأي المرأة مقدم على رأي الرجل في حال انعدام البينات في قضايا هي أكثر اهتماما بها ( حسب كل عصر و بيئة) فلو شهدت شاهدة شهادة في الارضاع مثلا، و شهد شاهد شهادة مناقضة، أخذت بشهادة المرأة. فهل هذا جور؟ فماذا لو كان هذا الشاهد متعلما و المرأة غير متعلمة، هل هو طعن في انسانية هذا الشاهد؟ لكن لو كانت الشاهدة قابلة و كان الشاهد طبيبا في الولادة، يؤخذ برأيه. فالأمر ليس اطلاقيا، بل له معيار معرفي، فالانتباه للأمور عملية انتقائية و هي ما تكون لدينا المعرفة، و ما تجعل التلميذ سين يختلف معرفة ً عن التلميذ صاد رغم انهما التحقا بذات المدرسة. فهل هذا النقص المعرفي المسبب، و اهتمام الشريعة بحفظ الحقوق من عواقبه في حال لو وجد أمر يقلل من شأن التشريع الإسلامي؟ بل يرفعه رفعا.


ثانيا: استرقاق وقتي و "شيك"، فلم الانفجار؟

يقول الأخ فاضل: ((شُرع مشرع الحجاب ايضا اقتناء الجواري فـ "الفحل الذكر" له الحق ان يتزوج اربع من باب التعدد وله من ملكات اليمين غير محدد العدد يجامعهن ويستعبدهم بامتلاكهن وللاسف لم تعمد الشريعة الغراء الى استصدار حرمة او منع قطعي في استعباد الانسان ولكن اكتفت بفتح منفذ للعتق ))

ملك اليمين جزء من الرق،و الرق يقع على أسرى الحروب. و قليل من مراقبة النصوص الدينية بموضوعية تدلنا على الكثير. فالرق نظام موجود قبل الإسلام، و الإسلام أبقى عليه لضرورة بقائية للدين. فلنتخيل في ذاك الزمان لو يدخل المسلمون و غيرهم في موقعة و ينتصر المسلمون، فيقوموا باعادة الأسرى الى ذويهم و لا يسترقونهم. النتيجة الحتمية الوحيدة لعالم مترع بالرق كدلالة اكيدة على النصر و الغلبة هو ان اولئك القوم سيفسرون هذا على أنه دلالة ضعف و اعتذار من المسلمين و استكانه و خنوع، فينشرون الخبر على كل ما جاورهم، فيتكالبون جميعا فتكون نهاية الدين. و الله تعالى بعلمه التام يعلم أن هذا العرف في سبيله مستقبلا الى الزوال فجعل كفارات بعض الذنوب عتق الرقاب، اشارة الهية واضحة الى ان الرق ليس نظاما دائما، إلى ان يأتي اليوم الذي تزول فيه الحاجة الى هذا النظام. كما ان لا نص دينينا يقول ان الرق أصل من أصول الاسلام، و لا يستقيم الدين الا به، بل النصوص و على العكس تشير الى أمور عدة، منها ان هذا الاسترقاق ملئ ب" الشياكة" مقارنة بما كان يفعل بالمسترقون في ذاك العصر، و هنا بعض النصوص في ذلك:

(لا يقولن أحدكم: عبدي، وأمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي، و جاريتي، وفتاي، و فتاتي) (صحيح) أي عليهم الا يحسسوهم انهم في مقام استرقاق، بل هم بشر كاملوا الكرامة مثلهم.
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) (النساء:36)
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النساء:25)
و الأهم من هذا كله هو انهم مواطنون كاملو المواطنة السياسية(اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبه) ( صحيح، رواه البخاري)
و لهم ذات الحقوق القضائية( من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه ومن أخصى عبده أخصيناه). و رغم ان الالباني ضعف الحديث الأخير، فضلا على كونه يحوي كلمة "عبد" و هي منهي عن استعمالها، الا ان أحدا لن يقول ان الارقاء ( من ضمنهم ملك اليمين) لا حقوق قضائية لهم ، أو انهم أقل شأنا في التقاضي.

كل هذه النصوص تبين أن الرق و ملك اليمين مرحلة انتقالية ضرورية في عصر ما. و نجد ان النصوص تتحين الفرص تفرض المساواة المواطنية و تتحين الفرص لفتح المنافذ للعتق تدليلا واضحا ان الأمر وجد على سبيل الضرورة التأقيتية لا الديمومة الرفاهية.


ثالثا: و هل الممارسة الاجتماعية مصدر من مصادر التشريع!
حول موضوع زواج المتعة. لا أجد نصا واحدا صحيحا أو حتى ضعيفا في القرآن أو السنة يبيحه. فهل الممارسة الاجتماعية الخاطئة حجة على الاسلام و طاعنه فيه.


رابعا: تعميم الوصاية سيئ، و إساءة فهم مسبباتها أسوأ

يقول الأخ فاضل ((فالمرأة لابد وان يكون لها "وصي" في كل شئ والحديث هنا عن حالتها كراشدة، وسواء في زواجها (الا في حالات محدودة) اوفي معاملاتها المالية))

يا للهول! يجب ان يكون للمرأة ولي في كل شئ؟ حتى في معاملاتها المالية؟ هذا كلام ما انزل الله به من سلطان. الحالة الوحيدة هي حالة الزواج " لا نكاح الا بولي و شاهدي عدل" ( صحيح، رواه الألباني) و فلسفة الأمر جلية و فائقة الروعة. فالزواج يحمل الرجل اعباء مادية فيفكر مرارا قبل الاقدام على الأمر، في حين ان المرأة لا تتحمل شيئا و لا تغرم (بفتح التاء) فقد يحدث أنها لا تفكر في الأمر و تتحقق من الشريك فلا بد من تدخل شخص من اسرتها ليقوم بعلمية التحقق في حال انها لم تقم بها. ثم ليس للولي منع موليته تعسفيا من الزواج بمن تريد و لها رفع الأمر الى القاضي ليزوجها. و لا يحق للولي تزويج موليته أو التصرف بأمرها دون أذنها. و النصوص الصحيحة في ذلك كثيرة.
أما القول بانها تحتاج وليا في معاملاتها المالية فمزحة و لا شك. فالمرأة لها ذمة مالية منفصلة، و لها حق التصرف و الاتجار بمالها كيفما شاءت فمن أين اتى الاخ فاضل بوجوب وجود ولي لها في معاملاتها المالية؟ مؤسف جدا ان نضع الكلمات في فم الاسلام. فالله تعلى يقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71) فالولاية مشتركة بين الجنسين.


خامسا: القوامة و الإنفاق و الزوج "الناشز"

يقول الأخ فاضل:
((، والقوامة تكون بالانفاق فالرجل قوام على زوجته لانه ينفق عليها، ولكن اذا انفقت المرأة وتحملت البيت في أن واحد تبقى كلمة الرجل هي الاعلى من حيث التشريع. فيقطع بذلك عليها محاولة التحرر من مفهوم القوامة. ومن قصور التشريع انه لايبحث هذه المتغيرات او الواقعية.))

استدلال خاطئ. فنص الآية(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء:34) فالقوامة لم تذكر مطلقة بل مسببة و مربوطة بسببن "ما فضل الله بعضهم على بعض" و الانفاق و الواو ذكرت مرتين و كذلك الباء لتبيان ان كلا السبيين هو ما يعطي القوامة للرجل. و اذا لم ينفق الرجل سقطت نصف قوامته و أصبح ناشزا، فالرجل ينشر كما تنشز المرأة.
أما مالها فلا حق لزوج او اخ او اب في دس انفه او يديه فيه. و هو ملزم بالانفاق عليها، و انفاقها على المنزل يعد صدقة، و عملها في المنزل يعد ايضا صدقة، صدقوا او لا تصدقوا، و ليست هذة المقالة مجال تبيانه.


سادسا: هل يقع طلاق من يقول لزوجته"روحي و أنت طالق" ؟

يقول الأخ فاضل:
((الطلاق يلفظه الرجل من فاه في كلمة او ثلاث او قد يرسل ورقة طلاق زوجته عبر البريد او من خلال هاتف خلوي (اس ام اس) مثل بعض الدول الاسيوية ولايشترط حتى تواجد الزوجة في حال وقوع الطلاق(!) وممكن تسمع من شاهد او شاهدان ان طلاقها قد وقع (هل هناك اكثر امتهان لكرامة المرأة من هذا!!). بينما هي ان لجأت الى الطلاق فلايتم الا في حالة ضيقة جدا وهي باب الخلع وتتكبد اعادة كل ما دفعه بشانها من مهر وهدايا او غيره ولو مر على زواجهما سنين عددا وربت له اجيال من الابناء، ومن خلال رفع دعوى قضائية وقاضي محكمة ))

أجل هذه ممارسة اجتماعية مهينة، لكن أ الله أمر بذلك؟ فلنقرأ قوله تعالى:
(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (الطلاق:2)

أحوال الزمان و المكان و الأشخاص التي تكلمت عنها في بداية المقالة تطل برأسها هنا. حقيقة معروفة أن العرب أمة شفاهية، و أنعكس ذلك على التطبيق القضائي للعقود مما ادى للمعاقدة الشفاهية، و شمل ذلك عقدي الطلاق و الزواج. فالزواج يتم بعقد شفاهي و وجود الشهود جوهري لا يستغنى عنه لان لا وثيقة مكتوبة تبت في الأمر. و بالتالي أمره تعالى " وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ" يعني وثقوا عقدي الزواج بالطلاق سواء بالشهود ( في حالات البيئة الشفاهية) أو بالتوثيق الرسمي في الدوائر المختصة ( في حالات البيئة التي تتخذ التدوين وسيلة للتوثيق) و لا داع للشاهدين هنا أصلا. و لا يعني أبدا ان للزوج الحق في احضار شاهدين من اصدقائه و تطليقها و لا تعلم المسكينة الا بعد عشرين سنة ضوئية. فالأمر قياسي، فكما ان الزواج عقد بعلمها، فلا يصح عقد الطلاق الا بذلك، المنطق و الحقوق المتبادلة تقول ذلك، و لا نص يدعم القائلين بامكانية تطليق الزوجة دون علمها. أما اذا كانت القوانين متحجرة، فهل نأتي أيضا و نتهم الله بذلك. " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". و من هنا ما يجب أن يتغير هو القوانين، و اذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا و أعادها قبل العدة عليه توثيق الأمر رسميا، و ليس فقط إبلاغ شاهدين من اصدقاء "ديوانيته" أو المقهى الذي يسهر فيه!


اما طلاق المرأة، فحق لها و يطلقها القاضي اذا تعنت الزوج، و ليس ذنب الاسلام ان نظام القضاء مزر كما في فيلم "اريد حلا" فهذا واجب القانونيين و أعضاء المجالس النيابية. أضف الى ذلك ان للمرأة الحق في ان تكون العصمة في يدها شريطة أن يوافق الزوج على ذلك في عقد الزواج طالما انه يرى انها عقلانية أكثر من كونها عاطفية. لكن الاعراف الاجتماعية تفعل افاعليها.

و بالمناسبة، هنالك حديث يقول "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، و لكن ماذا عن الزوج الذي يرفع لزوجتك العبارة الارعابية " ساطلقك" مع الوجبات اليومية؟ هو حرام عليه رائحة الجنة ايضا، و مجئ النص بصيغة المؤنث جاء لان الحالة الغالبة هي ان النساء كن اذا لم يعجبهن شيئا يتعجلن بطلب الطلاق جزافا، فكان النهي. و مثله حديث المرأة التي تتمنع عن فراش الزوجية تعلنها الملائكة طوال الليل، و ماذا عن الزوج الذي يتمنع عن فراش الزوجية، هل تتنزل عليه الملائكة لتستغفر و تدعو له؟ النص الديني يجئ بحسب الحالة الأغلب في الزمان، و غير ذلك كثيرف ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:4) فماذا لو رمى احدهم رجلا، الا ينطبق عله ذات العقاب. بالتأكيد ينطبق.

سابعا: "المحرم"، و الذين "يحرمون" عقولهم من المنطق

يقول الأخ فاضل:((اما قضية "المحرم" فقد صورها مسلسل "طاش ماطاش" الذي يعرض حاليا في رمضان في حلقة من الكوميديا الساخرة حول موضوع المحرم ومدى الظلم الاجتماعي والخنقة التي يعاني منها المجتمع بشبابه وافراده وبالاخص نساءه في تعاملهن مع الدوائر الحكومية والخاصة والسفر))

شاهدت هذه الحلقة من المسلسل، و الأمر مبكٍ و مغضب حقا. لكن مللت من إعادة ذات السؤال، هل الاسلام أمر بذلك؟ فنقرأ النصوص التالية معا:


المجموعة الأولى:

1- ( لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة وإلا معها محرم، . فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة، قال: (اذهب، فحج مع امرأتك). صحيح – رواه البخاري)
2- (لا يحل لإمرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو محرم) )صحيح، رواه مسلم(
3- (سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه: يحدث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأعجبنني وآنفنني، قال: لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها، أو ذو محرم ... ) (صحيح، رواه البخاري)
4- (لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة يوم وليلة، إلا مع ذي محرم) ( صحيح، رواه مسلم)


المجموعة الثانية:

1- ( بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال: (يا عدي، هل رأيت الحيرة). قلت: لم أرها، وقد أنبئت عليها، قال: (فإن طالت بك الحياة، لترين الظعينة ترتحل من الحيرة، حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله - قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعروا في البلاد ... ، قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله ...) ( صحيح ، رواه البخاري)
2- ( ... حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة، وأكثر ما يخاف على مطيتها السرق ( حسن، رواه الالباني)

الأحاديث الشريفة جميعها صحيحة، لكننا نلحظ تفارقا بين المجموعة الأولى من الأحاديث القائلة بالمنع، و المجموعة الثانية من الأحاديث المتنبئة بسفر المرأة دون محرم دون أن تنتقده، بل تعده أحدى علامات ازدهار الإسلام و نصره.
و في المجموعة الأولى القائلة بالمنع، نلاحظ اختلافا في الفترة الزمنية، فأول الأحاديث يقول بالمنع العام دون تحديد فترة زمنية، و الثاني يحدد الفترة بثلاث ليال، و يحددها الحديث الثالث بيومين، و الحديث الرابع بيوم و ليلة.

الأمر و ما فيه هو أن أحاديث المنع جاءت في فترة زمنية خلا فيها الأمان للمرأة، و الدليل قول عدي (فيما بيني وبين نفسي: فأين دعار طيء الذين قد سعروا في البلاد) أي أن هنالك من كان متخصصا بترصد النساء و ايذائهن. و الدليل الاكبر الاختلافات في الاحاديث الأربعة المانعة للسفر دون محرم، فهي جاءت في فترات مختلفة من نمو الدولة و اتساعها و تحالفاتها و استقرارها، و باختلاف الحالة الأمنية، أختلفت مسافة المنع من المنع المطلق الى المنع المحدد بمسيرة يوم و ليلة.
أما اذا جاء من يقول انه لا يحق للمرأة الخروج الى مطعم أو بقالة أو ركوب حافلة دون محرم، فهذا أمر طبيعي للعقلية الاجتماعية المستورة من الجاهلية. فمكان المرأة الخيمة، و اذا خرجت منها فهي مشاعة و مستباحة من قبل الجميع و كأنها أحد المرافق العامة. و هذا بالمناسبة يفسر ظاهرة "الترقيم" المنتشرة في بعض الدول حيث يمطر الشبان الصبايا بوابل من الأوراق الحاوية أرقام هواتفهم و يحبرونهن على أخذها. أنها امتداد طبيعي لعقلية قامعة مهينة للمرأة. السؤال، أ الله أمر بذلك؟ حاشا لله.


سابعا: ميراث المرأة: أسمع جلبة، و لا أرى تدقيقا

يقول الأخ فاضل: ((ونأتي للميراث الذي صم الكثيرين عنه اذانهم لما له من تفسيرات فلسفية اسلامية في التعامل مع المرأة متى ترث وكيف ترث، ولكن تم اغفال حالة التطور الذي تمر فيه المرأة مثلها مثل الرجل يتطور في البنيان والتكوين والمفاهيم والعقلية والثقافة حسب مرور الزمن فعندما كانت المرأة لاتُعني الا بامر المنزل والاسرة وكان كل رجل قريب لها حسب الترتيب العائلي يعتبر مسؤلا ووصي عليها ومنفقا، كان الميراث وتقسيماته المعروفه مخرجا وحلا لمرأة من هذا النوع وفي هذه الحالة وفي زمن سابق او في وضع محدود ضيق كانت او لاتزال تعيشه المرأة في اطار ميراث من الامية وعدم الاستقلالية المادية المزمنة))

في عصر تكثر فيه النسويات او ال Feminists ، لو طبق نظام الميراث الإسلامي لخرجت الينا فئة مستحدثة تدعى ال masculinistsأو الرجاليون. فأمر الميراث في الإسلام لمن لا يتمعن فيه يبدو كما لو كان جورا بحق الرجل لا العكس.
فبغض النظر عن الأحوال الرجل ملزم بالأنفاق على زوجته وحتى إن كانت تعمل، و على أمه و أخته ( ما لم تكن متزوجة) و أن كانتا تعملان، و مالهما ملكهما الخاص وإن كانتا مليونيرتين.
أما الحجة القديمة السقيمة بان للذكر مثل خط الانثيين، فهي في الأخوة لأب، و هو أمر منطقي لا أعرف سبب الجلبة حوله، فالذكر ملزم بالانفاق على أخته ما لم تكن متزوجة، أي ان هذا النصف سيعود لها بطريقة غير مباشرة إن لم يكن أكثر منه، و اذا كانت الأخت متزوجة ستحصل على النصف من انفاق زوجها عليها ( الذي ورث بدوره أكثر من شقيقته). و إذا كان الاخ كان متزوجا فعليه فوق ذلك ان ينفق على زوجته، ، و الامر هذا مرتبط بموضوع القوامة، فنصف القوامة مبني و مشروط بالانفاق كما أسلفت.

الدليل الأسطع، أن الاخوة لأم يرثون ذات المقدار، لأن الأخ غير الشقيق غير ملزم بالإنفاق على شقيقته.
و للدكتور محمد بلتاجي كتاب قيم بعنوان (مكانة المرأة في القرآن الكريم و السنة الصحيحة: الحقوق السياسية و الاجتماعية و الشخصية للمرأة) نشرته دار السلام يتحدث فيه عن حالات عديدة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل و أورد أحدها:

( توفيت أمراة و تركت، زوجها، أمها، و أختها الشقيقة، فان الأخت الشقيقة تأخذ ثلاثة أثمان، و لو كان مكانها أخ شقيق لأخذ السدس و هو أقل)


ثامنا: "بعضهم أولياء بعض"


يقول الأخ فاضل: (القرأن الكريم لم يكن ليذكر اسماء النساء قط، واكتفى بذكر سيرتهن ونسبهن الى ازواجهن اٍمرأة لوط، اٍمرأة العزيز، اٍمرأة فرعون.. الخ استثنيت من هذا التحاشي السيدة مريم العذارء لغرض تأكيد امومتها للمسيح لمحو فكرة ان له أب وهو مجرد انسان وله أم اسمها مريم. واستغل بعض فقهاء الدين هذا المنحى بعدم ذكر اسماء الاناث كونه عورة ويجب ان يحجب.)

القرآن و السنة لا ينفصلان و كلاهما مصدران للتشريع، و السنة ذكرت أسماء النساء دون أي تحرج. أما عن الأمثلة التي ذكرها فهي أمثلة لزوجات أنبياء و ملوك. أي انها "مدام فلان" فلوط عليه السلام هو النبي، فلم يذكر اسم زوجته؟ و هي من "الغابرين" الاشرار كما وصفها القرآن؟ و حتى لو كان صالحة، لم تذكر و هي لم يكن لها دور رسالي.أما آسيا زوجة فرعون ذكرت السنة لنا أسمها، و لا داع لذكر أسمها في القرآن، فهي كانت امرأة صالحة بعكس زوجها الطاغي لكنها ذكرت مع معرض ذكر فرعون و بطشه. أي ان المعني بالذكر كان فرعون، و ذكرها جاء تابعا لذكره.

ثم هل عدم ذكر الأسم يعني الأهانة؟ فالله تعالى لم يذكر لنا اسم الرجل الصالح ( الخضر) في قصة موسى عليه السلام. فهل هذا تحقير من شأنه؟ لم يذكر أسمه لان السياق الأساسي هو قصة سيدنا موسى و ليس قصة الخضر. والصحابي زيد بن حارثة هو الوحيد المذكور في القرآن لانه ذكره مفيد لسياق معنوي محدد، فتم الغاء تبني الرسول له، و سن تشريع ديني بواسطته. فهل هذا يعني تحقيرا لشأن بقية الصحابة عليها رضوان الله و منهم من هو مبشر بالجنة؟
أي أن معيار ذكر الأسم، هو دور الشخص المباشر للشخص في الرسالة: سواء أ كان ضدها مثل فرعون و هامان، أو معها مثل أسماء الانبياء، أو أسماء ما الّه الناس من دون الله مثل عزير (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) (التوية: 30)، و الأصنام التي عبدها العرب و اللاتي كن إناثا (باستثناء هُبل) و ذكرهن القرآن )أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* و َمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) (لنجم 19 -20).

و عندما جاءت امرأة لها دور استثنائي في الرسالة ذكرت باسمها. أما الادعاء بان اسمها ذكر تعزيزا لفكرة ان المسيح له ام دون أب فلا ارى في ذلك أي منطق. فهل لو لم يذكر أسم السيدة مريم و سميت "ام عيسى" أو "ابنة عمران" عندها سيكفر الناس و يرون أن للمسيح أب؟ ثم من قال ان اسم السيدة مريم هو ذاته في لغتها الاصلية؟ فلدينا "ماري" و "ماريا" و "ميري" من يعرف ماذا كيف كانت الصورة الأصلية لأسمها، و هل ذكره دلالة دامغة أن عيسى عليه السلام ولد دون أب. هل يصبح الانسان مؤمنا لان اسمها "المعرب" ذكر و يمسى كافرا لان اسمها اختفى. النقاش الرئيسي في عدم بنوة عيسى عليه السلام نقاش عقلي، و ذكر أسم أمه كان تكريما لها لأنها معنية بأمر نبوي فكانت جزءا من رسالة نبوية. و موضوع أسباب ذكر الاسماء في القرآن ( رجالا و نساء) موضوع طويل و فيه الكثير من التفاصيل ليس هذا مجالها.

أما عن التقاليد التي ترى أن أسم المرأة عورة، فهنالك ما يصعق و يُشهِــق أكثر من ذلك. فهنالك من يقول " أم العيال أجلكم الله" و " المره ( أي المرأة) مكرّم السامع ( أي اكرم الله سامع ذلك و أجلّه)" و كأنه يذكر حذاءً أو دورة مياه. لكن ماذا نفعل في اللاشعور الجمعي و الاصرار على الالتصاق به. أما أن نجعله ممسكا للطعن في الإسلام، فاستنساب مفزع.


ختاما:



هذا بيان القضايا التي اتهمني الأخ حافظ فاضل بالتغافل عنها. هذه هي السلسلة، و بقيت "الحلقة" كما يقترح. فلم لا يدلي بدلوه في الموضوع. أتمنى من كل قلبي ألا تكون مقالته القادمة ردا على تفاصيل مقالتي أو رفعا لقضايا جديدة، فعندها لن أرد أبدا لاني ساضطر أن اتيقن أنا و القراء ان الاخ فاضل لا رد لديه البتة، و أنه رفع هذة القضايا تشويشا على موضوع الحجاب. فليناقش موضوع الحجاب أولا، ثم نعود و نتناقش فنختلف أو نتفق حول القضايا التي رفعها.

و لكي أفوت عليه الفرصة لرفع قضايا أخرى يشوش فيها على سلسلة مقالاتي عن الحجاب ، فهنا قائمة بما يفعله "مقصقصو المصحاف" المحتقرون للمرأة:
أنهم يعبثون بالنصوص الدينية فيتقولون على رسول الله و يدعون أن بول الأنثى أنجس من بول الذكر! و ان المرأة رقيقة و اسيرة عند زوجها، و يحكمون على المرأة المتمنعه على زوجها باللعنة و و ينسون ان الرجل المتمنع عن زوجته يناله اللعن أيضا، و يرون أن دية المرأة نصف دية الرجل في القتل الخطأ و لا نص لديهم،و يرون ان المرأة لا تتولى القضاء و الحكم، و يبررون ختان الإناث، و يهللون لتحويل المنزل الى حلبة ملاكمة ينمي فيها الزوج عضلاته على حساب زوجته متذرعين ب "و اضربوهن". و غيرها كثير من ابتسار السياق و لي عنق النص، و الاستنسابية. انها فتاوى اجتماعية تصدر لوجه المجتمع لا لوجه الله تعالى.


هذة قائمة من نسج "مقصقصي المصحاف" المحتقرين للمرأة، و هي ذات القائمة التي يتذرع بها "مجافو المصاحف". هذا ما يفعله "مقصقصو المصاحف": يضعون الحجة في فم "مجافي المصاحف" ليرفعوا علامات الاستفهام، و يعقدوا حواجب الاستنكار فيقترحون تغيير النص لان وجهات نظرهم تقول ذلك، و ليس لان الشروط التي ذكرتها في بداية هذة المقالة متوفرة. فيقترحون تقليل "تفاصيل و شكليات" دين صالح لكل زمان و مكان أتمه الله و تولاه برعايته و حفظه.

.........

 الحجاب حلقة في سلسلة ( الجزء الأول) - حافظ سيف فاضل

الحجاب حلقة في سلسلة ( الجزء الثاني) - حافظ سيف فاضل