(وقت القراءة: 1 دقيقة)

المعطيات على المسرح الدولي تضيء بإشارات جديدة معطية تلميحات بان العولمة ظاهرة حاضرة ومؤثرة .ومن لا يفهم العولمة ينادي بأنها تحويل العالم لقرية صغيرة ، بيد ان هذا الرأي ينطوي على تقليل وجهل من شأنها ،فشتان ما بين العولمة أو (الكوكبة )وبين (الكوكلة ) المشتقة من انتشار الثقافة الغذائية المتشابهة وهذا لا يعني بالضرورة الاندماجية والتشابك ، بل ان ظاهرة كالعولمة تستلزم نظرة مناسبة و واعية ، لا سيما وان العرب لازالوا في بياتهم الثقافي المريح ولذا فهم يتهمون العولمة بانها لا تعدو عن كونها مؤامرة ومحاولة لطمس الهوية العربية ( المتآكلة أصلا ).

العولمة ظاهرة أفرزتها عوامل عدة وتتمتع بعدة اذرع والاهم من هذا كله ان لها أنصار قبل المعارضين. فالعوامل المنشئة متعددة فقد مر العالم بثورات كانت آخرها الثورة التكنولوجية الاتصالية التي أملت على البشر مفاهيم جديدة ، اما الأذرع الثلاثية للعولمة ، فالذراع الاقتصادي هو الأقوى حيث ينادي بحرية التجارة وفتح الأسواق وديموقراطية التعامل المالي و التجاري ووحدة الأسواق تحت مظلة الرأسمالية ، بيد ان هذا يعني ان أي تعثر في أحد الأسواق يقود بالضرورة لتعثر في السوق العالمي

اما الإناء الثاني للكوكبة فهو السياسي فذلك لا يعني توحيد العالم تحت نظام أحادى الاتجاه ، ولكن يعني إشاعة الديموقراطية وتفعيل حقوق الإنسان وان كان ذلك يستلزم حكومة واحدة مما يعطي البعض أحقية الرفض فلو افترضنا اننا قبلنا بسلطة موحدة فان مفهوم الديموقراطية مثلا سيتفاوت بين الأطراف مما يعود بنا لنقطة البدء .

اما الذراع التشابكي الثالث فهو الذراع الثقافي الذي يعتبر من اكثر الأذرع ااثارة للجدل والاستفهام حول العالم حيث يتم تأويله بانه هيمنة ثقافية ذات أبعاد استعمارية لان العولمة الثقافية تدل على اشاعة ثقافة عالميه موحدة الاراء الى حد ما مما يحوي على انماط فكرية محدودة ومقولبة تغتال الخصوصية والفردية المميزة لكل حضارة ومجتمع ، ولعل هذا يذكر بصحيفة (البرافدا ) السوفييتية التي كانت تلقن كل السوفييت ما يجب ان يقولوه أو يعتقدوا به مما يشكل استغلالا عقليا وغسيلا للمخ ، فهل يعني

هذا البعد من العولمة غسيل المخ ؟من يدري ! لكن علينا الا ننسى ان الوعاء الثقافي للعولمة يعني عند البعض انتشار التعليم وشيوع الفكر التعددي وليس الأحادي وفتح الاقنية الحوارية ،مما لا يعني دوما ( التعليب العقلي )

وختاما تكثر التفسيرات وتكثر معها الاسئلة ، فهل تتحول العولمة الى وهم على يد معارضيها ؟، وهل على العالم الثالث ان يغلق ابوابة المتكسرة في وجه العولمة حيث انه لم يكن له دور في إنشائها ؟ والاهم من هذا كله هو، هل تتحقق العولمة في عالم يموت فيه البعض من الجوع في حين يموت الآخر من التخمة؟؟

 

نشر في جريدة القبس ، العدد 9076 ، بتاريخ 25-09-1998