(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

 

"جاري تسجيل الدخول."  بهذا الخطأ اللغوي تبدأ استعمالك لأحد برامج المحادثة الفورية الأشهر على الإنترنت و الذي جهل مبرمجوه - او تجاهلوا - قاعدة الاسم المنقوص التي كانت تستوجب قول "جار ٍ تسجيل الدخول."

الأطرف - أو الأحزن ربما - من ذلك قصة تلك الطالبة التي قرأت عبارة "بخ ٍ بخ ٍ " - و هي اسم فعل يعنى الاستحسان - قرأتها على انها " بـِـخْ بـِـخْ " و هي عبارة بالعامية المصرية تستخدم للإخافة !

الخوف كل الخوف ان تتحول اللغة العربية الى "كوميديا سوداء" ، نضحك عليها بدل من نضحك على جهلنا بها. الخوف ايضا ان نخاف من لغتنا بدلا من ان نخاف عليها. اللغة هوية ، وفي حالة اللغة العربية الامر يتعدى الهوية الثقافية، يتعداها إلى الهوية الدينية حيث لا يصح إسلام أي امرئ إلا بها على الاقل على مستوى العبادات فلا يمكن ان نتخيل مسلما يقرأ الفاتحة في صلاته بالماليزية ، بالفرنسية ، أو بالبرتغالية .

يبقى السؤال الاكثر إيلاما: هل لغة الضاد "مستحاثية " ديناصورية؟ اذا تبعنا خطوات مجامع اللغة التي ترجمت Sandwich على انها (الشاطر و المشطور و بينهما الكامخ ) بدلا من ان تقول و ببساطة شطيرة فلإيرل "ساندويش" الرابع الذي سميت الشطائر باسمه ان يقاضي هذه المجامع على هذه الترجمة . لحسن حظهم ، فقد توفي الإيرل قبل الترجمة الاحفورية هذه!

دواء سقم لساننا هو الداء نفسه . فإذا كان قطبا الإعلام و التعليم - و يشمل هذا المؤسسات التعليمية ، مراكز البحوث ، و مواقع الانترنت - هما المسئولان الأساسيان عن اعوجاج السنتنا  ، فليكن العلاج بهما .
فلتنظر المدارس الى تدريس اللغة نظرة اخرى ، و ليقم "يوم مرح"  خاص باللغة العربية ، تقام فيه المسابقات و العروض ولينتخب ملك أو ملكة لغة الضاد كما تنتخب ملكات الجمال و ملكات الاناقة ! فليكن لدينا هذة المرة "ملكات جمال اللسان."

و ليحرص الاعلام على برامج الأطفال التي تقدم العربية بصورة يفهمها الطفل من دون أن تستخف بعقله . و ليتوقف عن فكرة بان علينا العودة الى أيام الخيمة و الصحراء كي نتعلم قواعد اللغة ، وليتوقف عن التهليل للبرامج العامية بحجه أن هذا هو هوى الجمهور ناسياً او متناسياً بان من اتبع هواه - غير المستنير - هوى !

يبقى الدور الاصعب على كاهل مراكز البحوث، الجامعات ومواقع الانترنت ومنتدياتها الحوارية وهذه الاخيرة مرشحة لدور لا متناه ان أعطيت القليل من الثقة و شيئا من الاهتمام والدعم كي تضطلع بمهمة "تحديث" اللغة، و ايجاد الترجمات الصحيحة لمصطلحات لم نصنعها لكن علينا  على الاقل ان نثبت بان لغتنا على قدر من المرونة و الجمال بحيث تحوى مقابلات لها غير متحرجين- اذا اضطروا - الى اللجوء الى الترجمة الحرفية لبعض المصطلحات لا كسلا بل اعترافا بالتراث اللغوي الانساني الذي يأخذ و يعطي، متذكرين ان عربية القرآن الكريم احتوت على كلمات من أصول غير عربية. كما أن عليهم اتخاذ خطوات جادة و عملية هذه المرة للإتفاق على الاصوات المنطوقة Phonemes  و التى لا مقابل كتابيا لها Graphemes  كالجيم المصرية/g /و الفاء المجهورة V/ / و الباء المهموسة P// و غيرها ،  موسعين بذلك الأبجدية العربية .

حتى لا تنفق اسماك و صدفات البحر الذي في أحشائه الدر كامن، و حتى لا نحمل اثم اهانه لغة كرمها الله تعالى ، و حتى لا نفقد هويتنا الثقافية و الدينية فنبقى في كعب قائمة التنمية غير مأسوف علينا .

 

نشر في مجلة دلال عدد شهر يونيو 2002