(وقت القراءة: 1 دقيقة)

رفعت حاجبي دهشةً وانا الاحظ التطابق اللفظي، والتناقض المعنوي بينهما، ولست ادري ان كان الامر بني على اساس الاشتقاق اللغوي فكان مصادفة بريئة، ام ان الامر فيه ربط متعمد. ما اعنيه هو الجناس المفارقي بين اسم رائد تقنية المعلومات العربية محمد الشارخ و«الشارخ» وهو تعبير يستخدم كمقابل عربي لكلمة crack وهو الآخر برنامج صغير يستخدم لقرصنة البرامج. فهل سمي «الشارخ» باسمه نسبة الى الشرخ الذي يحدثه في نظام الامان في البرامج، ام ان هؤلاء القراصنة يهوون استهداف العمالقة والرواد.

في عام 1982 اسس الشارخ شركة «صخر»، لتكون الرائدة والوحيدة لفترة ليست بالقصيرة في «حوسبة» اللغة العربية الا ان «صخر» غيرت نشاطها واتجهت من الحلول المقدمة للافراد الى الحلول الموجهة للمؤسسات والى المشاريع الانترنتية استجابة لازدهار الـ«ويب»، واستجابة ايضا وللاسف لعمليات القرصنة المستشرية التي تقتل روح المبادرة والمغامرة لدي اي مستثمر.

عمري يزيد عن «صخر» بعام واحد، وما ازال احتفظ بكومبيوتر الـMSX وبكثير من «الكارتردجات» Cartridges التعليمية والترفيهية لها التي كان من العسير قرصنتها ونسخها بعكس ما هو الحال الان مع الاقراص المدمجة. المخجل حقا في الامر اني كنت ممن استخدموا في يوم ما البرامج المقرصنة تحت ستار «محاربة الاحتكار» وان «حق المعرفة حق لكل مواطن ومن اجل ذلك كل الطرق مشروعة» و«جشع المنتجين» وهي حجج غير علمية يلوكها الكثيرون. ربما لاني لم اسمع صوتا او اقرأ كلمة او اطلع على فتوى واحدة تقول ان القرصنة سرقة، بل وحرابة وافساد في الارض واهدار لجهود ابداعية واغتيال لروح المُبادأة الاستثمارية تستحق قطع ايدي فاعليها.

نشاط «صخر» العجيب اسفر عن «عجيب» هي بوابة تقدم من ضمن ما تقدم خدمة ترجمة الكترونية من الانجليزية الى العربية والعكس، مما ادى الى تثوير الانترنت واتاحة الفرص لم لا يملك اللغة الا يحرم من جنى التقنية. ما يهم في عجيب ـ وبغض النظر عن التعقيدات الكثيرة حول الترجمة بين لغتين مختلفتي الاصل والشكل ـ هو ان «عجيبا» يلعب دورا سياسيا فاعلا في رأب الصدع اللغوي، الذي لطالما ولد قلة الفهم وقلة الثقة وسوء التصرف، هو محاولة وان لم تبد كذلك لاول وهله لحوار الحضارات. والقاعدة الاولى في الحوار الحضاري هي: لا تتقد دون ان تسمع وجهة النظر المقابلة و«عجيب» يوفر للطرفين فرصة سماع بعضهما البعض، والقاعدة الثانية: هي لا تنتقد دون ان تقدم البديل وهو دور يقع على عاتق المجتمع والامة في ان تكون ندا حضاريا.

جزء من الندية الحضارية، المساهمة والانتاجية. فالعولمة، والثورة المعلوماتية، التي افضل تسميتها بالوفرة او حتى النعيم المعلوماتي، ليستا اميركيتين. العولمة على دين من يطعمها، واذا اردنا ان نكون اهلا للندية فقبل ان ننتقد علينا ان نقدم البدائل وان نشرع في التكامل مع الاخ، والافادة منه. وجزء من نجاحنا في ذلك هو انتاج التقنية لا استهلاكها ببساطة لاننا عندما نستورد التقنية لا نستوردها «نيئة»، بل محملةً بقيم ثقافية شئنا ام ابينا، والحل الوحيد هو مجددا ان نقدم البديل بدل النقد والنقيق.

«صخر» تكيفت وتزداد صلابة يوما بعد يوم، وبشكل «عجيب» فعلا وعملا لا كلمة و«حرفا» وشقت طريقها الى «العالمية»، بتقديم البدائل وانتاج الوسائل. لكن ما زلنا نتمنى عليها ان تنتج العتاد التقني كما تنتج البرمجيات والحلول، لسبب بسيط هو اني كنت احلم في احد مقالاتي، التي نشرت في هذه الصفحة آنفا، انه وفي يوم ما سنتوقف عن تسميه «الكومبيوتر» باسمه ونستعمل كلمة «العاقول» لان من ينتج يختر الاسم ويصدر معه القيم والحضارة. ولاننا ان اخترنا ان «نعقل»، وان ننتج، وان نقدم الحلول فعلينا ان نكمل المهمة حتى النهاية، ولن يضرنا عندئذ ان نسمع شكوى بعض الشعوب من ان العولمة عربية اسلامية!

 

نشرت في جريدة الشرق الأوسط

الخميـس 21 شـوال 1423 هـ 26 ديسمبر 2002 العدد 8794

 

http://www.aawsat.com/details.asp?section=13&issueno=8794&article=143445