(وقت القراءة: 1 دقيقة)
ردًا على مقالة الأخ حافظ سيف فاضل المنشورة في موقع إيلاف و التي علق فيها على سلسلة "ما ورائيات الحجاب" لحياة الياقوت
كتب الأخ حافظ سيف فاضل مقالة يعلق فيها مشكورًا على سلسلة "ما ورائيات الحجاب" التي كتبت في إيلاف. و لامني فيها على التركيز على الحجاب في حين أن قضايا عدة متعلقة بالمرآة يتم إغفالها و أثار فيها نقاط عدة حول الوضع السيئ للمرأة في العالم الإسلامي. أولًا: أجل، هنالك قضايا متعلقة بتمكين المرأة و دورها تصرخ من جوع الإهمال و ترزح تحت نير النسيان و التجاهل، لكني لم أكن أعلم أن المقالة يفترض بها أن تكون موسوعة شاملة تناقش قضايا الكون كله. قضية الحجاب واحدة من القضايا المتعلقة بالمرأة و غيرها كثير كتبت فيه في كتابي "فوق السرب" و في مقالات منشورة لي. و اذا لم يجدها الأخ حافظ فاضل في إيلاف فهذا ليس ذنبي. فضلًا على أن لي أحضر لكتاب الكتروني يصدر العام المقبل إن شاء الله حول دور المرأة.
ثانيًا: الحجاب ليس حلقة في سلسلة مهانة المرأة كما اقترح الأخ حافظ بل حلقة وثقى في سلسلة تمكينها لدورها الاستخلافي شانها شأن أخيها الرجل. و قد أشرت لهذه النقطة في المقالة الرابعة من السلسلة بعنوان "جمال الحجاب في حجب الجمال"، و ليس من الحكمة أن أعيد نسخ المقالة هنا مجددًا، فأتمنى عليه قراءتها.
ثالثًا: الطريف أن الكاتب ترك مناقشة موضوع الحجاب و اكتفي ببعض الإشارات لبعض المفكرين و قفز إلى أمثلة لبعض ال"فتاوى الاجتماعية"، أو الممارسات العرفية التي لا تمت للإسلام بصلة ليطعن فيما كتبت حول الحجاب. الإسلام حجة علينا و على ممارساتنا الاجتماعية الخاطئة، في حين أن ممارساتنا و عاداتنا ليست حجة على الاسلام. الى متى يعاقب الإسلام بجريرة سوء التطبيق؟

ليس هذا هو معرض مناقشة هذه الممارسات الخاطئة التي أورد بعضا الأخ حافظ، و لكن أورد ردا واحدا على الأمثلة المرفوعة و هو كون شهادة المرأتين تعادل شهادة رجل واحد، و القول بنقصان عقل المرأة بناء على ذلك.

مفزع جدا ما يفعله اللاشعور الجمعي المحتقر للمرأة بكلام الله تعالى، فلنقرأ نص الآية و الحديث و نحللها بموضوعية و منطق سليمين:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:282)

الآية واردة في سياق الديون في حال السفر و الدليل القاطع على ذلك هو جزء من الآية " إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا "و بالتالي لا يحوز عقلا تطبيقها على غيرها من المواقف. الله تعالى يقول هنا " فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى" فكون شهادة المرأتين بشهادة رجل واحد أمر مسبب و ليس عواهنيا و احتقاريا للمرأة، فالسبب هو نسيان المرأة لأمور التجارة و البيوع حيث انها لم تكن تمارسها لانه لا يحق لها في حال عدم توافر الأمان ان تسافر دون محرم و هو حكم وارد في حديث صحيح و سأناقشه بتفصيل أكبر في كتابي ان شاء الله. و بالتالي المرأة كانت توكل أمور التجارة الخارجية لشخص آخر، و اذا وجدت نساء في سفر و شهدن عقدا فعلى الأغلب أنهن لسن تاجران أو مهتمات بالتجارة و عقودها في أحوال السفر، و بالتالي احتمالية الخطأ و النسيان وادرة جدا. و في العقود و الحقوق لا يجوز التهاون، فلابد من الاحتياط حفظا للحقوق. و بالمناسبة، اذا سافر طفل معهم و شهد عقدا فشهادته منقوصة أو حتى لاغية لانه غير معني بالأمر و احتمال الخطأ و النسيان وارد حتما، فهل هذا يعني ان الإسلام يحتقر الأطفال؟ حاشا لله.
أما اذا كان هنالك من يقرأ بصف الآية و يمطها كالمطاط الساخن على كل قضايا العالم، فليس ذنب الإسلام أنّ هنالك أقواما مستنسبين انتقائيين.

الآن، حول معضلة ناقضات العقل. فنص الحديث كالتالي كما ورد في صحيح البخاري:

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو فطر، إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار. فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل. قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم. قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها.

فالثابت هنا أن السياق سياق تودد للنساء لحثهن على التصدق في يوم العيد، و لا يعقل ان يحتقرهن و يطلب منهن بعدها التصدق. فالرسول صلى الله عليه و سلم كان يمزح من النسوة فذكر انهن ناقصات عقل، فانتفضن هنا و سألن عن سبب ذلك ، و لو كان الإسلام منذ البدء قامعا للمرأة و يعاملها على أنها نصف بشر لما فتحن أفواههن رضي الله عنهن و سألن. فرد عليهن ممازحا انهن ناقصات عقل لان شهادة احداهن ( يقصد في حالة السفر التي فصلتها اعلاه) تعدل نصف شهادة الرجل فهي ناقصة عقل. فسكتن النسوة هنا و لم ينتفضن ما في المرأة الأولى لأنهن فمهن "المزحة" و لانهن أيضا يفهمن الآية و مسبباتها، فعرفن ان الأمر كله تودد لحثهن على التصدق. و السياق أيضا مدحي، فهن ناقصات عقل و دين ( تجاوزا بالتفسير التلطفي المزحي) و في ذات الوقت يخلبن عقل الرجال، فهو يمدحهن و يذكرهن بمحبتهن في قلوب ازواجهن.

و كذلك هو الأمر في كونهن ناقصات دين، فلو أخذنا الأمر بحرفية قاتلة لقلنا ان حسنات المرأة أقل من الرجل و مكانتها عند الله أدنى بسبب أنها لا تصوم و لا تصلي في أوقات معينة ( رغم ان الله أمرها بذلك). و كذلك هو أمر المريض و المسافر، فهل يعني ان هؤلاء ايضا ناقصي دين؟ بل هو طبعه التوددي و البشوش صلى الله عليه و سلم و الفهم الصحيح للإسلام من الصحابيات رضي الله عنهن. هنا يخطر لي انتقاد الكاتب لم يخوف البشر بالنار بدل النصح، فكان بامكان الرسول صلى الله عليه و سلم ان يخبرهن تصدقن و الا تحولتن فحم محترق في النار، لكنه آثر التلطف لهن صلى الله عليه و سلم و ممازحتهن. أرأيتم منهج الإسلام كم هو جميل، و اذا اختار البعض الابتعاد عنه، فليس ذنبه.


و بالمثال يضح المقال: فلو كان هنالك طفل كثير الحركة و قال له ذووه مازحين ضاحكين متوددين " يا عفريت أنت! هيا أذهب و العب في غرفتك" فهل يعني أن الطفل عفريت من الجن حقا لانه كثير الحركة؟ لا بل هي صيغة مزحية لحث الطفل على اللعب بهدوء بعيدا. و هي بالتأكيد اجدى و أفضل في التربية من صيغة " ايها الطفل المزعج، أذهب و العب بعيدا عن وجهي و الا ضربتك ضربا مبرحا". اما اذا اتى احدهم و أخذ يتعوذ من الطفل على اعتبار انه "عفريت" ! فعلينا ان نتعوذ نحن أيضا لكن من عقليته و و العقليات المشابهة.


رابعا: يقول الكاتب "ولاننسى ايضا ضغوط العادات والتقاليد كما هو الحال في اليمن وبعض دول الخليج حيث تعيش في اغلب الاسر هناك فتيات لايعرفن الشمس او الخروج الى الشارع الا في الحالات القصوى المرضية مثلا، واذا خرجن يتشحن بالسواد من الرأس الى اخمص القدم بأسم الدين ولانرى او نسمع اية محاولات انقاذية تحررية من فقهاء التنظير وتنميط البشر (ولا حتى التي افردت اربعة اجزاء ماورائية للحجاب!)."

على أن أنهي مقالتي هنا فقد بات من الواضح جدًا أن الأخ حافظ لم يقرأ السلسلة مكتملة او لعل الجزء الثاني منها فاته و هو بعنوان "الحجاب الاجتماعي: من عبد ربه الى عبد جده" و في هذا الجزء انتقاد للحجاب الاجتماعي المفروض ب"مسدس المجتمع" حيث تجبر الفتيات على ارتداء ما لا يردن ارتدائه، و انتقد ايضا الحجاب المفروض ب"مسدس القانون" في ردي على الأخت صفاء حسن. أما حول قضية تغطية الوجه، فاعتقد ان القضية أشبعت مناقشة و جدالا، و للإمام ناصر الدين الألباني رسالة حاسمة جامعة مانعة في عدم وجوب تغطية الوجه موجودة منذ عقود طوال، فلم أعيد مناقشة الأمر و هو محسوم إلا لدي من له مرجعيات اجتماعية أغلى في قلبه من مرجعية القرآن و السنة.

لذا أعتقد أن الأخ حافظ فاضل إما لم يقرأ مجموعة المقالات الأربعة جميعها، أو أنه قرأها على عجالة.
لذا اترك له الفرصة لقراءتها مرة أخرى، و نقاش ما فيها، اما القضايا الأخرى، فيجدها إن شاء الله تعالى في كتابي القادم. أما لفت النظر و إزاغة البصر إلى قضايا اجتماعية تتلفع بلباس الإسلام لن يطعن في الإسلام و لا في الحجاب المفروض في النصوص الدينية المعصومة و القاطعة.