(وقت القراءة: 1 دقيقة)
هل استمعتم إلى القرآن الكريم مترافقًا مع أحدث ضروب الموسيقا التصويرية الطبيعية؟! إن لم تفعلوا فسارعوا إلى ذلك قبل انتهاء العشر الأواخر من رمضان. حريّ بالذكر أن الرجال –لوفرة حظهم وليس لقلته- لن يتمكنوا من الإطلاع على الأمر إلا عن طريق روايتنا نحن النساء! قبل التفسير، وللأمانة التأريخية، هذه أثمن مقالة أكتبها منذ دخولي عالم الكتابة منذ ثماني سنوات، فقد كلفتني التركيز في صلاة القيام في ليلة وترية حيث كانت أفكار المقالة تتزاحم في رأسي طوال الصلاة!

السبب؟ طفل رضيع لديه مواهب فنيّة مبكّرة أصرت والدته على اصطحابه إلى صلاة القيام فأخذ يبكي ويضحك ويصرخ بما يتوافق مع تلاوة الإمام، فكان مشهدا مثيرًا للرثاء وللحنق معًا في آن على الامتهان الذي يتعرّض له كتاب الله الكريم. أترك التفاصيل لخيالكم في حال وجود أكثر من طفل في المسجد خاصة الذين وصلوا لسن الحبو فيقدمون عرضًا مجانيًا لألعاب السيرك.

المشكلة أن السيناريو هذا بات كالحًا ومملا بتكرراه كل عام. وإذا لمت إحداهن بلطافة على ما تفعل، فإنك وفي النهاية لن تلوم إلاّ نفسك على فعلتك هذه عندما تسمع ردها، أو لعلّك ستواجه خطر حرب أهلية مسجدية كما حدث في العام قبل الماضي حين لامت بعض المُصليِّات إحداهن على اصطحاب أبنائها معها فشهد المسجد جدلا فقهيا انتهى بالبكاء والعويل. المصطحبة لأبنائها والفرقة التي تكتلت معها بررت الأمر بالحديث:

"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضعه ، ثم كبّر للصلاة ، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهرني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك. قال: كل ذلك لم يكن؛ ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته."

المتحججون بهذا الحديث يتناسون أن الأمر حدث بشكل عرضي حيث أتي وقت الصلاة وأحد سبطي النبي رضي الله عنهما معه، ولم يكن يُحضر الطفل معه بشكل يومي في صلاة تقام في وقت متأخر جدا لا سبيل فيها بالنسبة للأطفال إلا التململ والبكاء. وفي الحديث كان الطفل قد وصل إلى سن معقول والدليل أنه يمشي، فيمكن لهذا للطفل في هذا السن إذا تم توجيهه أن يصمت أثناء الصلاة. لكن أن يتحول المسجد إلى حضانة للأطفال يمارسون فيها ألعابهم، فامتهان لحرمة المسجد وتوّقع من الأطفال أن يتحمّلوا ما لن يطيقوه.

هناك من سيقول: "من لا يَرْحم لا يُرْحم،" لكن هل الرحمة مقدمة على العدل؟ من قال أن الكبار لا يستأهلون بدورهم شيئا من الرحمة والهدوء. أنه حقنا العادل في أن نتعبّد في هدوء. أليس درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟ أمستغنيات عن الثواب هن من يصطحبن أطفالهن الصغار معهن ليضيعن ما كسبن من أجر من صلاة القيام، يضيعنه جراء تشويشهن على بقية المصليّات؟

حتى الساعة، لم أر ولم أسمع بفتوى أو حتى بلافتة توضع تبّنه المُصليِّات على ضرورة عدم اصطحاب الأطفال ممن يقل سنهم عن حد معين، ولم أسمع عن إمام ينبّه المُصليِّات على ضرورة ذلك. وأنّي له ذلك وكيف سيعلم بالأمر ومساجدنا – على عكس المسجد أيام الرسول صلى الله عليه وسلم – مقسومة إلى قسمين يذكراننا بدول الشمال المتقدمة ودول الجنوب المتأخرة، فلا يسمع للمرأة رأي ولا يجاب لها عن سؤال وتترك ترزح في عالمها المنعزل. هل ما أقول أكثر من اللازم؟ تعالوا واستمعوا إلى أحاديث النميمة واللغو النسائية التافهة والمعتادة بين فترات الاستراحة في الصلاة لتعرفوا كم أن المرأة في عالمنا حازت الكثير من التعليم وتقريبا لا شئ من الثقافة، وهذا شجن آخر ليس هذا مقامه.

عندما كنّا صغارنا، أتذكّر أن متجر "إيكيا" (وهو متجر متخصص ببيع الأثاث المستورد من السويد) كان يوّفر ركنا مليئا بالكرات الملوّنة ليقضي فيه الأطفال وقتًا ممتعا فيما يتسوّق ذووهم في المتجر. لا أذكر إيكيا هنا من باب الترويج، بل من باب نجاح هذه التجربة في التسويق للتسوّق لديهم. أفلا يوجد من يقوم بالترويح لمساجدنا؟ ألا يمكن لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تخصص مسجدا رئيسيا في كل منطقة في فترة العشر الأواخر من رمضان وفي صلاة العيدين تتوّفر فيه حاضنة مؤهلة تقوم باستلام الأطفال من أمهاتهم (ولم أقل آبائهم لأن مجتمعاتنا وللأسف تلقي بمسؤولية التربية كاملة على الأم، وبالبلاء والصراخ على المُصليِّات المسكينات) بطريقة منظمّة وبعد انتهاء الصلاة تتسلّم كل أم طفلها عبر بطاقة لها رقم خاص لكل طفل. ألن يوّفر هذا راحة للمُصليِّات الأخريات وللأمهات اللائي يصبون لأداء صلاة القيام، ويشفي صدر كاتبة هذه المقالة؟ أعيب أن نتعلم من عالم الأعمال كيف نسوّق ونروّج للعبادة؟ لا أرى أي عيب.

وإلى أن يتحقق هذا، وكلي يقين أن الأخوة في وزارة الأوقاف سيستجيبون كعادتهم جزاهم الله كل خير، هل نأمل أن نرى إرشادات رسمية على أبواب مصليات النساء تطلب منهن عدم إدخال الأطفال الصغار. فـ"إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن."

هل كنت قاسية اليوم؟ اعذروني، فأخونا الصغير ميوله الفنية تتجه نحو موسيقا الـ"بوب" وكان ينغّم صراخه بناء على ذلك، وهذا صنف فني يتثير أعصابي. أراح الله أعصابكم وقلوبكم وتقبّل منا ومنكم الطاعات.