(وقت القراءة: 1 دقيقة)

في سورة واحدة، يظهر سؤالان يعلّمان الناس كيف يكون السؤال. سؤال مشروع لا تثريب عليه، وسؤال آخر هو عين الخطأ والاعتداء. في سورة البقرة نقرأ سؤال الملائكة، ونقرأ أيضا أسئلة بني إسرائيل.

عجيب جدا أن نعرف أن الملائكة المجبولة على الطاعة وعدم المعصية تتعجب فتسأل الله تعالى عن جعل آدم خليفة في الأرض. وجميل جدا أن الله تعالى لم ينهرها، ولم يعاقبها، و لم يتجاهل سؤالها، بل رد عليها ردا عمليا مفصلا. حين أبدى لها كيف أن آدم مهيّأ بالمعرفة {وعلم آدم الأسماء كلها ...} التي تؤهله للخلافة.

وفي مكان آخر من السورة الشريفة، نجد سؤالا، أو بعبارة أدق السلسلة السؤالية التي صاغها بنو إسرائيل. سألوا، وسألوا، وسألوا. وأمهلهم الله ليمعنوا في السؤال ولم ينكر عليهم. تركهم ليضيقوا على أنفسهم بأنفسهم.

سؤال الملائكة كان سؤالا نبيلا، سؤالا استفساريا مشروعا. قد يبدو للعقل غير الخبير أنه سؤال ينم عن طمع، وحاشا أن يكون هذا من صفات الملائكة. لكن المنطق هو الذي فرض المقارنة بين الإنسان المعرض للمعصية وبين الملائكة التي لا تعصي ولا تستطيع ذلك. وإزاء هذا السؤال، أجاب الله وخلّد الموقف في القرآن ليعرف بنو آدم أن لا غضاضة من سؤال الملائكة، فما بالك بالبشر الذين يملكون النجدين؛ الطاعة والمعصية، بعكس الملائكة المجبولين على السير في طريق الطاعة وحده.

أما سؤال بني إسرائيل فكان سؤالا تنصليا، سؤال جدال ومراء و"شراء وقت"، كان محاولة لتمييع الموقف خوفا من كشف الحقيقة. فأخذوا يسألون ويسألون عن صفات البقرة، أملا في أن يتعذر إيجادها أو يتغير سير الأحداث إلى سيناريو أقل حدة من إحياء الميت وتوريط الجاني وأدانته إدانة تامة. كيف تعامل معهم الله تعالى؟ لم يقرعهم، ولم ينبههم أن يذبحوا أي بقرة وأن يتوقفوا عن الأسئلة، بل أمهلهم ليستدرجهم إلى تلك البقرة النادرة العزيزة التي كلفتهم مبلغا طائلا جعلهم يترددون في ذبحها حتى بعد أن وجدوها {... فذبحوها وما كادوا يفعلون}.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

لا لن أستظرف وأقول لكم أني كنت أقصد أن القراءة ليست مهمة بل هي ضرورية. لا، لن أقول لكم هذا لأني -وببساطة- أعتقد بأن ما وراء القراءة له ذات القدر من الأهمية. منذ عقود ونحن نلوك الشعارات حول أهمية القراءة لأمة ناهضة، ونتشدق بماضينا الزاخر العامر بالمكتبات وتقدير الكتب، لكن -وبكل صدق ومكاشفة- ما نفعله فاشل جدا وسمج! ويبدو أننا نعوض عن ثقافتنا المفرطة في الشفاهية بالنظر إلى القراءة على أنها المخلص الفادي لمشاكلنا. إنها الشماعة الإيجابية، شيء يشبه نظرية المؤامرة لكن بالمقلوب. فكما أن المؤامرة هي سبب كل مشاكلنا وإخفاقاتنا، فإن القراءة هي الدواء السحري الشافي من كل الأمراض، والمخلصة من كل المشاكل.

أعرف الكثيرين من القراء النهومين الذين يقرؤون كتبا "جيدة"، ورغم ذلك لا أكاد ألاحظ فرقا يطرأ عليهم على مدى الزمن. قد يقول قائل أن متعة القراءة تكفى، وأن صيانتها المرء عن نشاطات غير نافعة أو مدمرة كاف جدا. لكن لماذا نرضى بالفتات وهناك وليمة؟ يقول قانون "باريتو" (يسمى أيضا بقاعدة 80:20) أن 20% من الجهد يمكن أن يعطينا 80% من الثمار، لكني أرى هذه القاعدة الثمينة معكوسة تماما لدى الكثير من القراء.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

تسير في الطريق الفسيح، وتتمتع بالمناظر الجميلة على جانبيه. تتوقف قليلا لتلوح بيديك لمن تراهم على الجانب الأيمن. فجأة، تحس بأن شيئا يتحرك أسفل قدميك. إنه خُلْد مزعج ظهر من حفرة على جانب الطريق. يطل من الحفرة تارة، ويختبئ تارة أخرى بشكل يفقدك أعصابك ويفسد عليك الاستمتاع بالمنظر. تكتشف أن لديك مطرقة خشبية كبيرة في يدك. تهوي بها عليه، فيرتد إلى حفرته مذموما مدحورا.

تكمل السير، وإذا به يظهر مرة أخرى على جانب الطريق الأيسر، فتعامله كما عاملته من قبل. ثم تكمل مسيرتك ظانا أنه ارتدع. يبدو أنه ارتدع فعلا، إذ لم يظهر منذ مدة. تسير مزهوا بانتصارك عليه، فتجد نفسك تهوي على الأرض متعثرا بشي ما. تعسا! إنه الخُلد المزعج مرة أخرى، لقد ظهر هذه المرة من بين قدميك دون أن تنتبه له، فأسقطك سقطة موجعة.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

"إني حَصَان فما أُكّلم ، وثَقَاف فما أُعَلَّم"
أم حكيم بنت عبد المطلب


أرجو ألا تظنوا أنه موقف عليائي، وأن أم حكيم -رضي الله عنها- قد استبد بها الغرور فقررت التوقف عن تحصيل المعرفة. بل هي وصفت نفسها بالثقافة لا بالمعرفة، وشتان شتان ما بين الاثنين. المعرفة في المحصلة العامة تجميع للمعلومات مع بعض العمليات التنظيمية التي تضمن للعقل استرجاع المعلومات بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب. وقد يكون لأحدهم اطلاع موسوعي، وقد يختزن عقله الكثير من الأرقام والنسب والأحداث والمقولات، لكن إياك أن تظن أنه مثقف بالضرورة، هو عارف وحسب.

أما المثقف (أو الثقاف كما وصفت أم حكيم نفسها بصيغة المبالغة) فهو شخص لا يحتاج أن يُعلّم، لأنه تعلم كيف يتعلم، وخبر آليات اكتساب المعرفة، وتجاوزها إلى شيء أكبر وأعمق: الثقافة. وهذا لا يعني أن المثقف عارف بكل شيء، بل هو يملك قاعدة معقولة من المعارف، انطلق من كتفيها إلى أفق أرحب وهو التثقف. وعلي أن أشير هنا إلى اللبس الذي كثيرا ما يحدث بين الثقافة التي أتكلم عنها (أو المثقفيّة نسبة إلى كون الشخص مثقفا) Intellect وبين الثقافة بمعنى القيم والسلوكيات السائدة في مجتمع ما أو مؤسسة Culture.

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

 

 

"حضرتك يهودي؟" هكذا تود أن تسأل أحدهم حين يقول دون خجل أو وجل أن أمنّا حوّاء -رضي الله عنها وجزاها عنا خيرا- هي من أغرت أبانا آدم عليه السلام بالأكل من الشجرة وتسببت في خروجهما من الجنة!
وأكرر السؤال ذاته لكل رجل يقول قوله جادا كان أو شامتا أو حتى متظارفا، فهذه هي الرواية التوراتية التي يؤمن بها اليهود. وعذرا أيها الرجال، النسخة الإسلامية من الرواية مختلفة تمام الاختلاف، فلما أجد الرجال يتلذذون بالهروع إلى الرواية التوراتية ويغضون الطرف عما جاء في القرآن الكريم؟ أليس هذا نوعا من هجر القرآن مثلا، أو جَعْل القرآن عِضين؟


اللافت في الأمر، أن الرواية القرآنية لا تبرِّئ ساحة أمنا حواء من جزء كبير من الجرم، بل أنها تلقي بالثقل الأكبر من اللائمة، على أبينا آدم! وأرجو ألا تظنوا أني نِسْوِيَّة (feminist) حاقدة على الرجال، أحاول لي عنق الآيات الكريمة كي أحقق أجندة فكرية ما، بل أن من يجمع الآيات الكريمة التي تروي الحادثة سيصل إلى الاستنتاج ذاته.
ففي الآية الكريمة {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (طه:121) تبين أن كليهما أكل من الشجرة، لكن فعل العصيان جاء من آدم عليه السلام تحديدا وليس من كليهما. ما السر يا ترى؟

 


السر هو عدالة الله تعالى، فآدم عليه السلام خلق قبل حواء، ومشهد التحدي بينه وبين إبليس الذي رفض السجود له تم وحواء على الأرجح لم تخلق بعد، و"ليس المعاين كالمخبر" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم. وبالتالي فإن إدراك أبينا آدم عليه السلام لحالة الغيرة والحقد الإبليسيين عليه وعلى نسله، تم بأن شاهدها وخبرها بأم العين، في حين أن أمنا حواء سمعت بها فقط. وفوق هذا كله، لا يوجد إشارة لا في آي آية كريمة أخرى، ولا في أي حديث صحيح أو حتى مدسوس أن أمنا حواء زينت لآدم الأكل من الشجرة. ثم –بالله عليكم- أليست النساء مشهورات بالدهاء والذكاء؟ أما رأيتم أنها لو كان فعلا عقدت مكيدة –واعية أو غير واعية- مع إبليس أو الأفعى، لكانت أغوت آدم ليأكل من الشجرة وامتنعت هي عن الأكل؟ لكن ما حدث فعليا هو أنها هي الأخرى أكلت منها.


* * * * *


الأمر الآخر الذي نجد فيه تجنّيا على النساء، هو قصة ابني آدم عليه السلام، فالقصة في القرآن الكريم والسنة النبوية تفيد أن سبب قتل قابيل لأخيه هابيل هو أنهما قدما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل الذي حقد على أخيه فقتله. }وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ [المائدة : 27]


وبين الفينة والأخرى أجد رجالنا، ونساء أيضا! يصرون على أن سبب قتل قابيل لأخيه هو الصراع على الزواج بإحدى الأختين. فهذه القصة واردة في التوراة، ولا شيء منطقيا يمنع أنها تكون سبب غير مباشر في صراعهما، لكن ليس لدينا نص شرعي يؤكدها. صحيح أننا لا نكذب أهل الكتاب، لكننا لا نصدقهم إلا بدليل. وأن يأتي أحدهم ويترك الرواية القرآنية التي تتمحور بشكل رئيس حول التقوى سببا في قبول القربان من عدمه وتداخل الغيرة مع ذلك، ويتمسك بالنسخة التوراتية، أمر يثير العجب، فما السر الذي يجعل مجتمعاتنا تحب التوراة، حبا انتقائيا متى ما كان فيها إدانة للمرأة أو إهانة؟ مهما خشيت، لا أخشى إلا أن يتهوّد رجالنا وهم لا يعلمون!

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

تخيّلوا –فرضا وجدلا أو حتى عبثا- أننا في يوم ما قررنا، أو حتى أننا أُجبرنا ألاّ نتخيّل؛ أن ننزع قابس الخيال من حوائط عقولنا وأن نكتفي بالتفكير المباشر والواقعي والحَرْفي. تخيّلوا معي ماذا سيحدث حينها.

حينها، سنرتاح من أحلام اليقظة، ومن التفكير في العوالم الوردية المجيدة الحافلة بحياة أكثر حقا وخيرا وجمالا، وهذا يعني أننا نكون فقدنا وقودنا المحرّك، لكن إذا تفاءلنا سنجد أن هذا سيوفّر علينا الكثير من الوقت الضائع.

كما أننا سنتوقف عن الالتزام بالقانون –بداء بقانون الجنايات وانتهاء بقانون النظافة في الشوارع- لأننا نكون فقدنا مقدرتنا على تخيّل العواقب التي تحملها أفعالنا.

 

(وقت القراءة: 1 دقيقة)

ثار ما ثار مؤخرا حول الفأر"ميكي". وبغض النظر عن تفاصيل ما قيل، وعن سوء النقل والتأجيج الذين وقعت فيهما بعض وسائل الإعلام، استوقفني واستثارني نبرة الاستهزاء والتندر التي وجهها البعض لكلمة "فويسقة"؛ فأخذوا يضحكون ويستنكرون وصف كائن يرونه خفيف الظل بها رغم أنها الكلمة التي أطلقها الصادق المصدوق -صلوات ربي وسلامه عليه- لوصف الفئران. لا أعرف ما سر غضبة واستنفار الكثيرين لـ”ميكي” هذا حتى أنهم على استعداد للاستهزاء بحديث شريف من أجل سواد عيني ميكي، أو بعبارة أدق لسواد أذنيه. هل يؤمنون مثلا بالخزعبلات الصينية التي ترى أن عام 2008 هو عام الفأر فقرروا، الانتصار له؟ على أي حال، هلموا نسبر أغوار التاريخ والتراث واللغة لنتعرف على هذه الكائنات ونحكم حينها على الأمر بعقولنا لا بقلوبنا.

 

(وقت القراءة: 1 دقيقة)
" لا تتفلسف!"، عبارة تقرع طلبة أذن الموجهة إليه معلنة عن ارتكابه لجريمة نكراء شعبياً وهي التفلسف. ف"الفيلسوف"، "المتفلسف"، و" فيلسوف زمانه"، كلها عبارات إسكاتية استئصالية تستخدم عندما يضيق المستمع ذرعا بما يسمع أو ربما بما لا يفهم. وبغض النظر شؤم رغبة البعض في إسكات الآخر، فان الفلسفة يحق لها أن تطالب بتعويض على ما ينوبها من الاستعمال الشعبي لاسمها. اختبرني " إنترنتيا ً " أحد المهتمين بالفلسفة بأسئلة لم يجز لي إلا أن "أتفلسف" بها علناَ في محاولة لتصحيح المفهوم العامي المغلوط، علنا نتفلسف من دون أن نتخوّف.
(وقت القراءة: 1 دقيقة)
أليس من الغريب أن يسمى المكان الذي تمارس فيه القراءة أو يسعى لها مكتبة عوضا عن مقرأة؟ قد يقول قائل إن السبب هو كونها تحتضن الكتب، لكن هذا مردود عليه، فصياغة اسم المكان على وزن \'\'مفعلة\'\' تقتضي أن نشاط المكان هو الكتابة لا عرض الكتب لأن الجذر الذي اعتمد عليه هو كتب، يكتب. لماذا لم تسمَ مقرأة إذا؟ أحد الأسباب هو كون المقرأة تستخدم للمكان الذي يستعمل لترتيل قراءة القرآن الكريم وحفظه، وهذا عذر مشروع لعدم استخدام الكلمة، لكن رويدا، فإذا كان المقرأة والمكتبة لدينا جاءتا في زمن متقارب مع تباشير الإسلام، لم سميت المكتبة مكتبة والمقرأة مقرأة، فالقرآن الكريم هو الكتاب الأجدر بالقراءة والتفكر والتأمل فلم لم تسم أماكن قراءته بالمكتبات؟ إذا عدنا إلى تكوين ثقافة العرب نجد أنها كانت ومازالت ويبدو أنها ستظل شفهية بصورة لافتة ومثيرة للقلق في آن.
(وقت القراءة: 1 دقيقة)
مخطئون أولئك الذين يرون أن شيئا آخر غير الجاسوسية قد يكون أقدم مهنة في التاريخ، فالجاسوسية - بمعنى التوق إلى المعرفة والسعي لها لا بمعنى اختراق خصوصيات الآخر، فالعرب تقول جاس أي استقصى وبحث - ترتبط بالنفخة التي من روح الله التي هي فينا، وتحمل بالتالي الصفات التي أوجب الله وجودها فينا كي يتحقق دورانا التعبدي والاستخلافي، السعي وراء المعرفة، رغم أننا جميعا وبالفطرة باحثون عن الحقيقة أو جواسيس! هل يمكن لإنسان أن يحيا دون أن يسأل ويجوس بحثا عن إجابات؟ أبدا، إننا نقتات المعلومات أدركنا أو لم نفعل. السؤال المشروع يفرض نفسه هنا: أليست كل الكائنات تجمع معلومات عن بيئتها حتى تبقى وتتكيف؟ فما المميز في الأمر عندنا؟